وأخيرا قطع المبعوث الأممي السيد مارتن جريفيث الشك باليقين؛ وشد الرحال إلى الحديدة، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحديدة مدينة تقع على البحر! و أكثر من ذلك اليقين الذي علمه أنه أدرك مدى أهمية الحديدة كميناء تمثل أهمية حيوية للحوثيين أكثر من أهمية الحبل السري لجنين في بطن أمه! من يستطيع بعد هذا أن ينكر إنسانية الرجل؟ لقد ركب الأخطار و سافر إلى قلب خطوط التماس مغامرا بحياته دون خوف أو وجل، فالتضحية من أجل أن يبقى ميناء الحديدة يمد (المجهود الحربي ) لعصابات التمرد بالمستلزمات الضرورية مهمة تستحق المغامرة ! لقد ظل ميناء الحديدة مسخرا لعصابات الحوثي أربع سنوات، لم يفكر خلالها المبعوثان السابقان، و لا حتى المجتمع الدولي بضرورة و أهمية أن يكون الميناء بيد الجنس الثالث، أقصد طرف ثالث، اليوم فقط تفتقت عبقرية المبعوث، و أيضا بعض أطراف في المجتمع الدولي لهذا المقترح الفلتة . يقول رجل الشارع - اليوم ساخرا - في تعز أو عدن أو حتى في الحديدة وفي كل مدن اليمن وريفها: إن مقترح تسليم الميناء لطرف ثالث، هو تذاكٍ ساذج لا يصلح أن يمرر على قرية نائية في بريطانيا أيام القرون الوسطى. من بديهيات القبائل البدائية في القرون الغابرة، و التي لم تتلوث بالنزعة الاستعمارية؛ أنها لا تعامل الطرف الشرعي مع اللاشرعي على قدم المساواة، فاللص المختلس يأنف أي إنسان بدائي أن يملكه ما قام بسرقته، فالأمر المنطقي دينا و قانونا و عرفا و عقلا، هو إعادة الحق إلى أهله، وإعادة المسروق إلى أصحابه. إن مسألة نزع أحقية الشرعية في أي جزء من اليمن سواء لما يسمى طرف محايد، أو ثالث، أو متمرد، هو نوع من الاستهتار بحق الشعوب، و احتقار القانون، كما أنه عمى بصيرة لدى من يتبنى مثل هذا الهوس. وعد المبعوث الأممي السيد جريفيث أنه سيزور تعز، و أرسل موظفا سياسيا في مكتبه مرة، ثم موظفا أمنيا مرة أخرى يمهدان لزيارته؛ قبل أن يخلف موعده، و هو ما أرجو ألا يكون قد تأثر به من أخلاق عصابات الحوثي ! تعز المحاصرة منذ أربع سنوات تقريبا، لم تستلفت انتباه المجتمع الدولي أو أي من مبعوثيه، فيما تعانيه من حصار و حرب مفروضة عليها، و السؤال الساخر الذي يردده أطفال تعز : متى يا ترى سيتفتق ذهن المجتمع الدولي و مبعوثه فيشعرون بمعاناة تعز وحاجتها لمنفذ( محايد) تمر منه احتياجات تعز الضرورية !؟ تعز بأحرارها و حرائرها يدركون مدى حقد عصابات الكهنوت عليها؛ لأنها أسقطت - مع كل أحرار اليمن - مشروع الإمامة الكهنوتي، غير أن ما لم يعرفوا له سببا؛ هو موقف المجتمع الدولي و مبعوثيه، و تعاميهم المريب تجاه جرائم عصابات التمرد في تعز و ما تعانيه من حصار. المبعوث الأممي - ربما- و بعض منظمات مشبوهة تريد أن تصور تعز و كأنها غير آمنة، و للأسف يساعد في رسم هذه الإيحاءات مناكفات إعلامية محلية ساذجة. و هنا يرد على الجميع تساؤل بسيط: كيف استطاع المبعوث إياه النزول إلى الحديدة في جبهة مشتعلة، و يتحجج بالنسبة لزيرة تعز بأوهام ثرثرة و مكايدات بعض المفسبكين. بصراحة لا أحد يعول نفعا على زيارة المبعوث لتعز، فقط نريد بزيارته أن تكتمل الصورة لمواقفه !
أحمد عبدالملك المقرمي
جريفيث يفقد البوصلة ! 1021