(الانسان يبحث دائما عن الأوهام، لأنه اجبن من ان يواجه الحقائق) فولتير. الأوهام هي مصدر تخلفنا، شغلتنا عن جوهر مشاكلنا والبحث بمصداقية وعقلانية عن جذورها، لنبني حلولا ناجعة ضامنه لاستئصال جذور المشكلة. السؤال المحوري اليوم لماذا تنهار أحلامنا وتتحطم طموحاتنا؟ وكل بادرة أمل وتفاؤل تضيع لنعود لنقطة الصفر. الإجابة تكمن في الحقيقة أننا مختلفون ومتنوعون وتلك هي سنة الحياة، لو وعينا هذه السنة وتعاملنا معها كواقع علينا تقبله ونكيف انفسنا للتعايش معه سنتمكن من إثراء الحياة وننهض، ومن يرفض هذه الحقيقة سيعيش وهم العنف للسيطرة على الآخر وتطويعه ليكون تحت طاعته أو إقصائه واجتثاثه. الأول يمتلك وعيا حقيقيا يلبي قناعات وطلعات الناس، وقيما سامية ومبادئ إنسانية رفيعة تنهض بالأمة، والثاني يعيش وهم الاستبداد السياسي والديني ونفوذ السطو والتسلط، ولأجل ذلك يشيطن كل مختلف معه وعنه، وهو مصدر مشكلتنا. نغرق بالأوهام وتغيب عنا الحقائق، فتتبخر أحلامنا، وتضيع طموحاتنا وتهدر قضايانا المصيرية، منذ مئات السنيين لم ننتج حلا سليما لمشكلة ما، بل نراكم عثراتنا ونزيد من حجم ماسينا، وتتوالد مشاكلنا لتكبر وتتشعب ويصعب علينا حلها. الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة هي حقيقية يجب أن ترسخ على الواقع لتستوعب تطلعات كل الناس بكل أطيافهم وألوانهم السياسية والعقائدية والعرقية، ويجعل الاستبداد من حمايتها وهم ليبرر عنفه وإقصائه واجتثاثه للآخر، يمكن أن تكون حقيقة وطن يستوعب كل أبنائه، أو وهم لكل من يفكر أنه قادر على إلغاء الآخرين واجتثاثهم وإقصائهم واستعبادهم، وهم البقاء في إرث الماضي الدموي من أحقاد وضغائن وانتقام، لا حقيقة التصالح والتسامح والعدالة الانتقالية لأنصاف الضحايا وجبر الضرر. ضعفنا وخذلاننا، أننا لازلنا نعيش خوف الخوض في الحقائق، هذا الخوف يبقينا في الأوهام، مشاريع أحلام وردية، وطموحات معلقه كقلادة في رقاب المستبدين والطامعين، قلادة تلألئها يدهشنا، يجعلنا نعيش حلما ورديا جميلا، ولكنه يسلبنا عقولنا، ويشوش علينا الصورة، ويجهر نظرنا لحقائق الأمور، فنعيش وهم الحلم القادم من تحت سلطة هذا المستبد، ونحن نبرر لطغيانه وقهره واستبداده للآخر. الثورة حقيقتها في التحرر والاستقلال، عندما لا تؤدي لتحرر واستقلال وسيادة تتحول لوهم. وهم الدفاع عن مرحلة الثورة الوطنية، التي كانت مبرر لتصفية الخصوم والمعارضين حتى هجرت العقول وطنها، فلا طلنا ثورة ولا وطنية، بل انتهى بنا المطاف لحضن التخلف والجهل والتعصب والاستبداد، الذي جعل من حماية الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، مبرره لتصفية الخصوم والمعارضين وشيطنتهم، ولا طلنا لا ثورة ولا جمهورية ولا وحدة وفقدنا هامش الديمقراطية، وجدنا أنفسنا غارقين في أوهام، أوهام استعادة السلطة للإمامة في الشمال والسلاطين في الجنوب،أوهام أضاعت علينا فرص النجاة من ثورة الربيع فبراير الشبابية، ومخرجات الحوار الوطني والدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة، وضاعت القضية الجنوبية وقضية صعدة والشرعية الدستورية، وتهنا في حرب جعلت منا ادوات و وقود لها لتحرق كل ما بني في قرن من تاريخ نضال الامة. لا مخرج دون شجاعة لوضع الحقائق في مواجهة الأوهام، في الخوض بوعي وعقلانية في الماضي للتخلص من ارثه الثقيل الجاثم على صدورنا، هذا الوعي هو الوحيد القادر على الولوج لمضمار التغيير، فلا تغيير دون ان نكشف الغطاء عن الحقائق، لنضع خطوتنا الأولى نحوا التغيير، فنكون قد بدأنا مشوار النهضة والتقدم لمواكبة تطورات العصر والمرحلة لنكن امة تحترم كسائر الأمم.
أحمد ناصر حميدان
نحن بين الوهم والحقائق 1496