على خلفية توقف معركة تحرير الساحل واحتمال عقد جولة مشاورات بغض النظر عن تفاصيلها ولكنها حتما قد تطوي مرحلة "أولى" لهذه الحرب ضمن سلسلة مأسي هذا الشعب المنكوب بحُكامه وستلج باليمن لمرحلة أخرى أكثر تعقيدا وتداخلاً ، وما يهمنا هو تداعيات إيقاف التحرير على مستقبل الاستقرار في اليمن . وعند استئناف أي تفاوض مفترض بدون تحرير الساحل وكسر شوكة الانقلابيين فأن الطرف الانقلابي لن يبقى الثلث المعطل مستقبلاً في أي حكومة "محتملة " يتوقون إليها كحالة حزب الله اللبناني بل الكل المعطل وستكون المرحلة القادمة بلون شمولي واحد تقريباً في حال لهثت بعض القوى السياسية لفتات المناصب الشكلية بينما الحركة الحوثية ستكون النواة الصلبة لشكل النظام الجديد " التوافقي" وما عدا هذه الميلشيا مجرد إيقونات تجميلية بغرض كسب ود المجتمع الدولي للاعتراف بالواقع الذي سيفرض نفسه، وطالما التسوية المفترضة ستكون برعاية أممية فأن الاعتراف الدولي حتمياً ومن سيعارض يقاوم مستقبلاً سيوصف بالإرهابي وسيواجه من قبل الائتلاف الحاكم والإقليم في آن واحد ! وتضل هذه سيناريوهات محتملة وأضغاث أحلام حوثية مجرد طموحات في رؤيتهم لا تستند لمسوغات منطقية وفي كل الأحوال لن تترجم للواقع بأي تفاصيل إلا بعد مارثون تفاوضي قد يستمر لسنوات وليس لأشهر وفي حال انخرطت الشرعية على صيغة مشابهة لهذه فأنه الغرض منها ليس فقط إنقاذ التحالف للخروج بما الوجه، إنما تعكس رغبة الحوثيين في تجاوز الاختبار العسكري الصعب الذي يواجهونه في الحديد، وسواها . استجابة الحوثي لوقف إطلاق الصواريخ قد يفسر أن ثمة تفاهمات بين الانقلابيين ومسئولين سعوديين كانت قد بدأت في أكثر من لقاء خلال فترة الحرب . ولا يستبعد بأن كلا الطرفين يوحي للآخر بغزل خفي، بينما لازالوا ينكلون باليمنيين في تهامة وسواها. وفي أفقها السياسي تعيد مبادرة الحوثي للأذهان محاولتهم تنميط الصراع في هذه الحرب باعتبارها مواجهة بين الحوثيين والتحالف ، على نحو يتجاهل وجود طرف يمني أساسي يخوض المواجهة على الأرض، وفي الوقت نفسه تظهر هذه المبادرة التحالف أقل تأثيراً في توجيه مسار المواجهة السياسية والعسكرية التي لا يزال الحوثيون يمتلكون فيها خيار الاستمرار في الحرب وعرض المبادرات، وكأنهم طرف عصي على الهزيمة. رغم أنه يبدو أن رؤيتهم تتطابق مع الواقع المعاش في يوميات الحرب وليس في الأمور المفترضة التي غدت مجرد أوهام ليس إلا، حينها ستبدأ معركة اليمنيين مع المليشيا الإمامية. فمهما كانت معركة صعبة إلا أنها ستكون جادة وناجحة. الأمر الآخر فإن مبادرة الحركة الحوثية مؤخرا تجاه التحالف يبدو في ظاهرها مرونة وجنوح للسلم ودعماً لجهود المبعوث ألأممي، واستجابة لدعوات دولية "لإحلال السلام " وهذه عبارة مطاطة. وبداهة فإن مفردة "الحل السياسي" نغمة يطرب لها من يتوق للسلام، ولو افترضنا سارت الأمور على هذا النحو الذي يبدو في تبسيط الأمور بأنها مساعي دولية لحلول سلمية ولكنها بالطبع مجرد ترحيل الصراع ، وليس لسلام مستدام. كل هذه البدائل التي يدفع بها المجتمع الدولي مستغلاً عزلة السعودية على خلفية "قضية خاشقجي" بغرض دفن المرجعيات الثلاث للأبد.. فإذا كان لنا اليوم سقف توافقي بصيغة مرجعيات نحتكم لها فغداً سيكون عصر الغاب والبقاء للأقوى ! ولن تستقر اليمن في حال انتهت الحرب بشكلها الحالي بمجرد إملاء خارجي ورغبة لضغوط دولية ، فالأمر ابعد من هذا وليس بهذه البساطة ستنتهي الأمور لمجرد تفاوض هذا إذا افترضنا جدلا وافقت الإطراف على التفاوض لكل الملفات ونتجت حلول مشوهة تحت لافتة " تقاسم السلطة " ... وكل هذه المحاولات بداهة لإنقاذ الحوثي او حل مشكلة السعودية من مستنقع اليمن .. وفي حال بقت المليشييا ولو ربع نفوذها الحالي سيكون بحد ذاته كارثة بل واسوا ممن نحن عليه اليوم! لقد بدأت ما يسمى بسلطة" الأمر الواقع" في صنعاء تتصنع الامتناع والمناورة ومؤخرا أبدت مبادرة بأنها ستقف قصف الأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة ولكن في قراره أنفسهم يعتقدون بأنهم قد حققوا نصراً ، وهو مجرد نصر مرحلي ، والعبرة بخواتم الأمور . وعلى هذا المنوال سيستمر الصراع بين اليمنيين أنفسهم بدون مفردة " العدوان" هذه المرة وحينها سترى ميلشيا الحوثي بأنها تواجه شعباً بأكمله وليس شرعية وراءها تحالف متخاذل ومتخبط الذي تراوح دوره بين التآمر والضعف والخذلان طيلة فترة الحرب . تساؤل يفرض نفسه هنا هل يمكن سلام وتعايش مع من تسبب في ثلاثة ملايين مهجر داخل اليمن ونحو مليون خارج اليمن.. وعشرات الآلاف من القتلى سواء مدنيين أو محاربين من كل الأطراف.. وعشرات الآلاف من الجرحى ومثلهم من الأسرى والمفقودين.. والمخفيين قسراً، وانهيار الاقتصاد اليمني وتدني قيمة العملة ثلاثة أضعاف.. وتفكك النسيج الاجتماعي، كل هذا فقط من أجل شرعنة الحركة الحوثية. ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد. السلام بأي ثمن ليس غاية، بل هو استغلال لحالة الشعب اليأس من حماقة المتصارعين بين انقلاب فاشل وشرعية متخاذلة. ومن تجربة اليمنيين على مدى (مارثون) التفاوض الذي بدأ بجنيف الأولى والثانية والكويت لأكثر من ثلاثة أشهر كانت فقط مجرد فرصة لإضاعة الوقت ومنع الحسم وتوفير منبر إعلامي للطرف الانقلابي وعرض حلول في سياق رؤيتهم للقضية التي تختصر في شرعتهم وإنقاذهم عن طريق مغازلة واستجداء للسعودية والمجتمع الدولي على حد سواء. لو أسقطنا جدلاً تورط "الأطراف" المتناحرة في النسخة السورية على ما قد يرسم لليمن فالحكمة استلهام ما آلت إليه القضية السورية لعدد جولات تفاوضية "استأنفت" أكثر من مرة وجنيف واحد واثنين وثلاث ناهيك عن مشاورات في عواصم اخرى كالقاهرة والرياض وكلها بأت بالفشل . خارطة الطريق الأممية تعدُ نسخة مهذبة لـ"اتفاق السلم والشراكة" فكلاهما يخرج من فوهة البندقية ، أي فرض أمر واقع لصالح الحوثيين، سواء قبل الحرب بسقوط صنعاء، أو اليوم، بمحاولة " شرعنة" الانقلاب بالغلبة وبقوة السلاح. وما عُرف باتفاق "السلم والشراكة" هو عبارة عن اتفاق سياسي رعاه المبعوث ألأممي الأسبق جمال بن عمر، في اليوم ذاته الذي اجتاح فيه الحوثيون العاصمة صنعاء في 21 من سبتمبر 2014، ووقعت عليه الرئاسة اليمنية والقوى السياسية تحت الواقع الجديد في العاصمة "آنذاك"ورغم ذلك لم يطبق من جانب الحوثيين إلى الجانب السياسي وتقاعسوا في الجانب الأهم أي الأمني ! وقس على ذلك في حال اتفاق مستقبلي على مبادئ معينة ستصدم بالتفاصيل الحقيقة على الأرض وهم لا زالوا متخندقين بأسلحتهم ومن هنا فلا يلدغ اليمنيين من جحر مرتين .. وفي حال سير هذا السيناريو وفق مشيئة ومخطط الحوثيين سيكون بالطبع أسوأ من تجربة 2011 فهو لن يعطيهم فقط حصانة وعفو عام بل وعدم محاسبه من تسبب بالحروب المختلفة والانقلاب وانهيار الدولة ونهب مؤسساتها وأموالها ، وزد على ذلك فرض مشاركتهم ورسم ملامح المستقبل بالغلبة . والحديث عن تسليم السلاح غدا أمراً مستحيلاً وهذه الفرضية ستصطدم حتماً بمعوقات فنية ولوجستية على خلفية سوء نوايا وأجندات خارجية لجعل الحوثيين بمثاب " حزب الله " في اليمن كطرف معطل ليصاب اليمن بشلل يعيق من نموه واستقراره لعقود قادمة ، لأن حوثنة الدولة الموازي للحرب وما قبلها جرى على قدم وساق من تعليم وإعلام وأوقاف وإرشاد وحزام أمني طائفي على صنعاء وتجييش عشرات الآلاف وهذا من شأنه أن يفسر أي حديث عن انسحاب مفترض لا معنى له بالنظر لهذه المسوغات ! ومن جهة أخرى فإن أي تسوية مفترضة هو ُطعْم للشرعية بكل رموزها فهم من ضمن ضحايا ما بعد" التسوية"حيث يتوقع تصفيات الخصوم خلال أشهر وستشهد المدن اليمنية اغتيالات لا سابق لها، فالخطر المفترض ليس فقط من عناصر الانقلابيين ولكن حتى من عناصر منفلتة تعكس مزاجا متطرفا غاضبا التي ربما ستغل غضب اليمنيين من تسوية مشوهة كهذه، لا ترقى إلى مستوى صبرهم على ظلم وفساد عقود.
عبدالوهاب العمراني
اليمن .. أي مفاوضات قبل تحرير الساحل يطيل أمد الحرب.. 1105