من سخرية القدر أن قياديًا بارزًا في المليشيا، يكتب مقالاً نشدانًا للسلام.. فعلها محمد علي الحوثي الذي يلصق شعار الموت لأميركا على جنبيته، فعلها وكتب مقالًا في الواشنطن بوست الأميركية طبعًا. التسويق العالمي لوداعة المليشيا سيفشل بكل تأكيد، ومقال "الزميل" كما أطلق عليه الكثير من الصحفيين، لن يغير من مستقبل المليشيا إطلاقًا، ولكنه قد يغير ـ كليًا ـ من مستقبل محمد الحوثي وكذلك وجه الصحافة! محمد علي يزامل توماس فريدمان، ويتحدث عن تشابه تجربته مع تجربة روبرت فيسك، سيلفظه: فوسك. سيرتدي البنطال ويترك البندقية ويتخلى عن المرافقين المدججين بالأسلحة، تخيلوه يصل إلى مكتب صحيفة المصدر، ليس الآن وإنما في المستقبل، يصل في آخر الليل حيث تفرغ علبة التبغ الخاصة بمحمود ياسين، بتهكمه المعتاد الذي يحمل الملامح الجدية وعيناه مسمرتان على شاشة اللابتوب يطلب: "حبة سجارة يا زميل". هنا يشتاط محمد علي غاضبًا ومعترضًا: أو أنا وأنت دفعة؟ معتبرًا، في حالة ذهنية متوقدة، مناداته بالزميل استنقاصًا من حجم مكانته الضخمة.. هات يا أستاذ هات. وفجأة يتحول إلى مرشد للكتابة ويوجه إرشاداته لفتحي أبو النصر، بأن يتخلص من التأثير العاطفي المنبثق من الحالة الشاعرية، في بناء الجملة، هنا يقهقه فتحي: سننجو. أما محمد علي فيخلع نظارته الشمسية في الليل ويضرب المنضدة على إثر تصفحه مقالًا لمروان الغفوري، ويدلي بملاحظته المتبرمة: "عندنا في أميركا ما يكتبوش هكذا يا خبير، هذا كله كتب"، ما يجعل علي الفقيه يغلق غرفة الإخراج كي لا تصل ضحكاته إلى أذن الزميل الأستاذ فيظنها استهتارًا من التوجيهات المهمة فيحنق لنفتقد كرمه في الزيارات النادرة. هو بكل تأكيد، لا يعجبه ذلك النوع من الكتابة الذي ينتهجه خالد سلمان وجمال أنعم، وسيأخذ بيد الموهبة المتفتقة أسامة ساري إلى العالمية بعد استشفاف براعته في تقصي المعلومات. تاليًا، سينفرد بإجراء حوار مهم مع جبريل، القيادي الصغير نجل عبدالملك الحوثي، وينفرد بنشر أول صورة له بعد حلاقة سبايكي، هذه المرة ستكون الوجهة غير أميركا، ستكون الغارديان البريطانية، أصلًا الرجل أصبح مؤثرًا في العالم كله، وعندما يترجم عبدالحكيم هلال خبرًا من الحوار يتصل معترضًا وشاتمًا لأنه "حق بريطانيا مش مثلما حق أميركا" ويوجهه للاستفادة من محمد عائش!. في تجليات لحظة حياد صافية، خالية من الماضي وتأثيراته، يتوسط لجلال الشرعبي لكتابة مقال في جريدة إماراتية، أما الدكاك فسيكون مساعده الذي ينال شرف فتح ايميل "الزميل الأستاذ" والنظر في الدعوات المنهمرة عليه والرد عليها بعد التشاور مع الكبير. هذا في المستقبل المتخيل بشكل ملهاة. لقد أثار مقال محمد الحوثي عاصفة من الردود وخاصة من الصحفيين، لا لأنهم يعرفون أن من يمسك قناصة بيد وبالأخرى قنبلة لا يمكن أن يمسك قلمًا، ولا استهزاء من دعوته للسلام، من وجهة نظر محمد الحوثي نفسه فإن ذلك حسدًا من قبل الزملاء الفاشلين، لا أحد منهم وصل إلى مكانة الرجل، لم يصلوا حتى إلى موقع إيلاف، أما هو فقد وصل إلى الواشنطن بوست وصار مؤثرًا في التيار الذي يمثله عبدالباري عطوان شخصيًا. هل هناك من هو مستعد لتسجيل الزملاء الذي استهزأوا بالزميل؟ قد يحظى بواسطة للكتابة في "عقاظ" أو في مدونة الجزيرة.. ردود الفعل لم تكن على كمية التناقض في القول والفعل، قيادي في مليشيا تشن حربًا؛ يكتب عن السلام. رجل يقول الموت لأميركا يكتب في الواشنطن بوست، أو على رجل جماعته تعتقل عشرات الصحفيين وتقتلهم يُستكتب ليتباكى على دم الصحفي السعودي جمال خاشقجي.. ردة الفعل كانت من أجل المستقبل الذي يهدده الزميل الجديد.
سلمان الحميدي
مستقبل ما بعد المقال 955