لم يكذب الأولون عندما كانوا يرددون المثل العامي، (خرج الاستعمار من الباب وسيعود من النافذة)، ربع قرن من مخاض الثورات العربية التي حررت الأرض من نجس الاستعمار، وأسست جمهوريات شعبية وديمقراطية، ربع قرن من المخاض للتخلص من الإرث الاستعماري والجهل والتخلف والفقر والمرض. أعاد الاستعمار ترتيب أوراقه من خلال الحكم بالوكالة، في مقاولة مع أنظمة وزعامات استطاعت أن تحفظ للاستعمار أطماعه ومصالحة في المنطقة، وتحولت الجمهوريات لملكيات وقطاعات أسرية، والديمقراطية لاستبداد وديكتاتورية، واستمرت المؤامرة حتى ثورة الربيع العربي، التي كشفت الحجاب عن المستور، والتوريث وفساد الدولة العميقة ونفوذ السلطة. هب الاستعمار وأعوانه، في إنقاذ أدواته والأنظمة التي كانت تنفذ مخططاته، في تدخل سافر لدعم هذه الأنظمة في مواجهة ثورات الربيع العربي، دعم الثورات المضادة، صورة واضحة نراها اليوم في كل دول الربيع العربي، التي أريد لها أن تفشل فيها الثورة والديمقراطية والحوار، لتتحول لانقلابات عسكرية تنتصر فيها الثورات المضادة لتعيد أدوات الاستعمار من أنظمة وزعامات للسلطة. حدث في مصر ويحدث في سوريا وليبيا واليمن، في حرب تديرها دول الاستعمار القديم بأجندات إقليمية وأدوات محلية، الهدف هو القضاء على أي روح ثورية تحررية واستقلال وسيادة وإرادة، بل لتبقى هذه الدول تحت الوصاية. بريطانيا العظمى استعمرت بلادنا، ونفذت مخططها لتقسيم المنطقة وفق مخطط سايس بيكو شرق أوسطي قديم وجديد، مخطط تسليم السلطة لأصحاب الثقة، من ملوك وسلاطين وأمراء، والقضاء على كل وطني غيور على العروبة ومشروع الوحدة العربية والوطنية، وهذا ما تم في إحداث انقلابات وترتيب مملكات وسلطنات وإمارات، اليوم هي أدوات التنفيذ للاستعمار الجديد الذي دخل المنطقة من النافذة، كما قال إسلافنا، نافذة الكراهية والتناقضات والصراعات والمصالح والنفوذ، والمشاريع الصغيرة التي ينفذها اليوم الغافلون عن المؤامرة، تحت مبرر الحرية والاستقلال والتحرر، بالعودة إلى تجزئة المجزئ، وتمزيق الأواصر والأوطان، لمشاريع طائفية مناطقية صغيرة. في بلدي اليمن، لا يريد الاستعمار وأجنداته وأدواته أن تتحرر اليمن من المشاريع الصغيرة، لا تريد أن ينهزم الانقلابيون، بل تريد مزيداً من الانقلابات، لتعيق الشرعية ومشروعها الوطني، هي تعمل بكل السبل للإبقاء على هذه المشاريع كمعيق لترسيخ الدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة والديمقراطية، هي تريد أن يبقى اليمن في هذه الزوبعة والضعف والهشاشة والتناحر والشتات، ليكون المنقذ هو المشروع الاستعماري الذي يعود للواجهة في التصدي للوحدة الوطنية والعربية. لهذا نجد المبادرات تهل علينا لإنقاذ الانقلاب، والتصدي لهزيمته في الجبهات في الحديدة وغير الحديدة، وهكذا سنرى دول الاستعمار وأدواتها الإقليمية والمحلية تتصدى لأي ينصر يتحقق وبوادر أمل لانفراج يلوح في الأفق، مبادرات تحت ذريعة الدواعي الإنسانية، التي لم نسمعها حينما تم الانقلاب، وحينما تبرز مشاريع عنف وصراع يعيق تحرير المناطق وترسيخ الدولة الضامنة للحقوق والواجبات في المناطق المحررة وتصحيح الحياة الانسانية في البلد، نسمعها عندما ينهزم مشروع الانقلاب والمشاريع الصغيرة الاستعمارية.
أحمد ناصر حميدان
ثورة الربيع والمشاريع الاستعمارية 1241