عدن مدينة كونية، مسكونة بعمق التاريخ، تتوفر فيها خصائص التفوق الاقتصادي والصناعي، الذي يحتاج لاستقرار سياسي مرهون بالتعايش والتنوع الفكري والثقافي والعرقي، وإدارة مؤهلة علمياً ومهنياً، تبدع وتبتكر بوعي ومدنية عدن. عدن مصدر إشعاع وتنوير وخير، تدعى ثغر اليمن الباسم، منسوجة بحكايات وروايات النهضة والعصر والتحضر وكل جديد في المنطقة، عدن الطيبة كقلوب أبنائها، والصافية كصفاء بحرها، وحمراء في غيرتها القومية والوطنية، والجميلة بجمال نسيجها الاجتماعي الرائع، فخر كل عدني، مهما كانت جذور عائلته، صومالية أو هندية أو تركية أو يهودية أو عربية، بكل الجينات والأعراق، عدن جمعت أوصالهم، لتشكلهم بهذه الكتلة الرائعة، ابن عدن الذي ولد فيها وترعرع في كنفها، درس في مدارسها وتمرغ في ترابها، تشبع مدنية وثقافة ومعرفه وارتقى سلوكاً، وقضى عمره خادماً لها عاملاً تحت إمرتها، مدرساً ومهندساً وطبيباً وقاضياً وجندياً، خدمها بكل ما استطاع وامتهن لم يبخل عليها، ولم يطمع يوما فيها كأرض لا سكني ولا تجاري، ولا حكم ولا سلطة، كل ما يطلبه هو النظام والقانون وما فيه من حقوق و واجبات ومساواة بين الناس، هذا المزيج الرائع هو عدن، بكل رؤاهم وثقافتهم وأفكارهم وأعراقهم وأجناسهم ودياناتهم، و نهضت بهم وتربعت عرش الاقتصاد العالمي والموانئ الدولية. بقراءة متأنية لما حدث ولازال يحدث في عدن، ستجد أنها في محيط لم يستوعب بعد أهمية هذه المدينة وطبيعتها و مميزاتها وموقعها الاستراتيجي، ولم يعي تفردها الاقتصادي والتجاري، عدن ثروة قومية يجب التعامل معها كأي ثروة اقتصادية وقومية يجب أن تكون في مأمن من صراعات السياسة اللعينة، وان لها خصوصية المناطق الحرة، منفتحة على الجميع بشروطها ومميزاتها، في اندماج يصقل الشخصية ويهذب النفوس ويشذب السلوك، لا تقبل فرض واقع بالعنف. عدن مدينة تفتح ذراعيها للجميع بصدر رحب، لكل من يريد نزع العصبية والقروية والعقلية المتحجرة من على كاهله، ليرتقي للمدنية، ويندمج في نسيجها الاجتماعي، ليكون جزء مهم فيه ولون رائع مكمل لطيفه الجميل، كل من يترك العنف والهيمنة والتحايل والطمع والجشع، ويدخل عدن متسامحاً محباً للحياة، متقبلاً للآخر كما هو باختلافه وتنوعه، كل من يريد ينهل منها علماً وثقافة ورقياً،عدن مصدر إلهام لكل جديد وتجديد ونهضة وتحول لما هو أفضل. وهي أيضا عصية على تغيير خصوصيتها، وتشويه نسيجها، وتعكير صفو حياتها ورونقها، أكثر ما لا يروقها العنف الذي يصنع امر واقع للفوضى والاضطهاد والاستبداد، فتمقت كل من يأتيها طامعاً بسلطة وجاه وتسيد، بعصبية وقروية وتخلف وجهل، كل من يحمل السلاح ويدخلها فاتحا لتستسلم له ولعصبيته وتخلفه، للواقع العنيف الذي يجعله حاكما و امرا ناهيا في شئون أمرها بجهالة وعبث بمقدراتها، فيعمل على تغيير صفاتها وطبيعتها السمحة وثقافتها الراقية، ليجعل منها قريته وعصبته وسلالته. إنها عدن صبرها طويل ونفسها واسع، فاحذروا التمادي فهي بركان خامد إن ثار ستكون جهنم التي ستصلي العابثين، وعقليتهم المتحجرة وتخلفهم وشططهم، ولن ينفع حينها الندم بعد فوات الأوان.
أحمد ناصر حميدان
خصوصية عدن 1259