من عجائب الدنيا وغرائب أخبارها الأخيرة، تعزية الحوثي بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. فعلها محمد علي الحوثي، القيادي البارز في الجماعة المسلحة، ونشر تغريدة العزاء وابتسم ملء شدقيه فرِحًا بنصر سياسي، ومتعجبًا من ذكائه الدبلوماسي الخطير في الوقت الملائم. فعل ذلك، ليس انتصارًا للإنسانية وتشجيعًا لحرية التعبير، وليس استنكارًا لجريمة التصفية وتعدد روايات شناعتها. كان في لحظات زهو وهو يرى التفاعل الكبير مع الحدث البارز، فاقتاده ذكاؤه للمشاركة لتشويه التحالف العربي الذي يقود حربًا على الحوثيين، أراد أن يقول: نحن أفضل من السعودية.. أيها العالم انظر "للعطوان" كيف يتعامل مع الصحفيين.. نحن مأوى الحرية الدامية. الفضيحة دائمًا ما تكون نتيجة طبيعية لمن يعيش في وهم الذكاء. تُراقب أخطاء الخصم إن كنت مدفوعًا للسلطة بقوة السلاح وشهوة الدم، تراقبه إن كانت أعين العالم مشتتة هنا وهناك وتراوغ جرائمك بدواع إنسانية ودوافع براغماتية تحركها المصالح، تنقل جرائمك أحيانًا وتتغافل عنها أحيانًا، تنقل الوضع الإنساني وأخطاء الخصم وتعرض عنها، وفجأة يتحول كل الاهتمام إلى الخصم الذي يحاربك، لتقتنص أنت الفرصة لتعرض إنسانيتك الزائفة. غرد محمد علي معزيًا، ترجرجت رقبته السمينة بقهقهة عالية لهذه التعزية ذات الذكاء الخارق، لقد حشر المملكة في الزاوية. نست الجماعة سجلها الأسود مع الصحافة، السجل الذي مازال يدون حتى اللحظة، بدءًا من احتجاز صحفي في موقع عسكري تعلم أن احداثياته مع التحالف، ليضربه الطيران فتتفضل المليشيا بتسليم أشلائه المتفحمة إلى أهله كما حدث مع الزميل عبدالله قابل. وتنسى أيضًا، أن المعتقلات تحتفي بتعذيب الصحفيين الشباب الذين لم يكتسبوا الخبرة بعد، تعذبهم منذ ثلاث سنوات، عمران، القاعدي، الشهاب، طرموم، اليوسفي، بلغيث، عناب، الجبيحي.. وآخرون... وتعذب ناشطين حتى الموت إلى جوار مواطنين تختطفهم من الطرقات والمنازل. لم تكتف بهذا القدر للتنكيل بالصحافة، في عهدها انتهت الصحافة الورقية ونُهبت مكاتب الصحف ومقارها، كل من لا يكتب مدائح الإشادة ويُنظِّر لسلوك المليشيا ضيقت عليه الخناق. كلهم خصوم، عدا ذلك الصحفي الذي أفرغ كل وقته لهم لتسويق مشروعهم الهمجي، وصرفوا على يديه ثلاث سيارات، حتى هذا في نهاية المطاف ضايقوه عندما انتقد نزرًا من سلوكياتهم في فيسبوك ففر إلى القاهرة. الصحفي والناقد محمد ناجي أحمد، من المعجبين البارزين برزانة السيد، نظّر لهم، وحين آوى إلى الصمت مؤخرًا أخذوه من منزله في الحوبان، هو في النهاية صحفي، رغم اختلافنا معه، لا يملك إلا قلمًا وحائطًا مهجوراً. تتغافل عن كل شيء، وتعزي العالم بفاجعة خاشقجي، هذا ليس نصرًا دبلوماسيًا تحرزه على "العطوان"، لو توفر لمليشيا الحوثي نسبة ضئيلة من الدبلوماسية لاتخذت إجراءات لتحسين صورتها البشعة. في هذا الموقف تحديًدا، ستفرج عن جميع الصحفيين المختطفين، وكذلك اليمنيين البسطاء، وتعتذر لهم عن العذاب، تفعل ذلك لتبين للعالم الغربي أن الحرية عند المليشيا متقدمة جدًا على الحرية في بلدان التحالف. ربي ستر ولطف، وحرمهم من الذكاء، وإلا كانوا "شيخزُّوا".
سلمان الحميدي
وهم الذكاء الدبلوماسي 910