الفكرة حول أهمية السياسة والسياسيين، تبدو مثالية وضرورة، كي لا تباد البشرية خلف العصبيات المختلفة. هي ضرورة لإحداث ثقوب في جدران الآراء المتصلبة، كي تتسرب منها اتفاقات ملائمة على طاولات التفاوض لكل الأطراف. وهي ضرورة لتسيير شئون بلد من ملايين البشر بأفراد قليلين يديرون الأمر بمصداقية وإخلاص وشفافية. وهي جميلة وخيالية، حين يدرك هذا السياسي أنه موظف لدى الشعب، ولم يتحصل على وظيفته بناء على توافقات ووساطات لا علاقة لها بالمؤهلات والخبرات والصلاحية. لكن؛ ماذا لو كان الساسة والسياسة العرجاء هم مصيبتنا الرئيسية على طاولة شقائنا اليومي؟ هؤلاء الذين ظهروا علينا وكأنهم قادمون من عالم آخر، بعيداً كل البعد عن معاناة هذا الشعب...!! أو أنهم رأوا الوطن مركب غارق فهرعوا إلى زوارق النجاة خاصتهم، التي نهبوا أخشابها من أقوات الشعب ..!! لقد أصبحوا أشبه بطفيليات جراح تقتات من وجع الناس، وكلما ضاق بالشعب الخناق، انفرجت أمورهم وتيسرت أحوالهم. كثرت هفواتهم كمراهقين سياسيا، رغم أنهم عاصروا السياسة منذ إنشائها في اليمن. نراهم يتغزلون بإنجازات الدول ودولتهم غارقة في الفشل. وفيما أعضاء حكومة الانقلاب تتوارى فضائح لصوصيتهم وتصريحاتهم وانتهازيتهم عن عيون الشعب، نلاحظ زلات وكبوات أعضاء حكومة الشرعية تحت المجهر من قبل مؤيدي الشرعية وأعداءهم على حد سواء!! إلا أن هذا التركيز يعد جانبا مشرقا لأسباب كثيرة، أهمها: إن حكومة الانقلاب، بجيش أعضائها الكثيرين، غالبيتهم غير معروفين، وغير معترف بهم على مستوى الوطن والمواطن والإعلام الداخلي، وهذا الأهم. لذا يتوارون في الظلام، كالخفافيش، مع قصص لصوصيتهم للأسف !!. لكن؛ يحسب لهم تواجدهم، جميعهم، داخل الوطن وفي مدن يستهدفها التحالف. بخلاف حكومة الشرعية، التي تبذل جهدها لتكون حكومة منفى، بعيدا عن متاعب التواجد في اليمن. الأمر الآخر؛ أن ظاهرة انتقاد الشارع لأعضاء الدولة، ممثلا بوسائل التواصل والإعلاميين من كل الأطياف، تعد ظاهرة صحية، لتتشكل معارضة قوية قادمة، لن تقبل بالتجاوزات الحاصلة. ولنا أن نعرف، أن منصب وزير، أو وكيل، أو مستشار، ينظر إليها بأجلال وتقدير من الشعوب، وسميت بالمناصب الرفيعة. لكن، على أيدي حكوماتنا وتصرفاتهم اللا مسؤولة، تحولت إلى مناصب "رقيعة"، وتناولها الجميع- للأسف- كإهانات، ونقص في الشخصية والذمة المالية.
فكرية شحرة
مناصب "رقيعة" 869