لطالما استفاد الحوثيون والذين كان يعبر عنهم بقضية صعدة من القضية الجنوبية، وقد حققوا من خلالها اختراقات سياسية كبيرة، حتى لم تكن تذكر قضية الجنوب إلا وقضية صعدة معها، وصولاً للحوار الوطني الشامل. ففيما اتخذ الحوثيون مساراً عسكرياً لفرض سلطتهم على كل البلاد، ذهبت المسألة الجنوبية لتكون إشكالاً عسكرياً وسياسياً في إطار الأراضي الجنوبية المحررة، والتي يفترض أنها خاضعة للشرعية السياسية للبلاد. والحقيقة أن الشرعية لا تواجه إشكالاً واحداً مع الحوثي، يمكن حله عسكرياً أو سياسياً معه، وإنما تواجه إشكالاً آخر لا يقل أهمية عنه في الجنوب، والحقيقة أيضا أنها وحدها غير قادرة على مواجهة الإشكالين معاً بدون مساعدة التحالف العربي الذي يقول إن هدفه استعادة الشرعية لسيادتها على كل الأراضي اليمنية. يبدو الحوثي مهتماً باستعادة الحكم الإمامي في الشمال، ولا يعنيه إن بقي الجنوب أو ذهب خاصة بعد أن فقد القدرة على السيطرة العسكرية عليه، فيما تقول النخب الإنفصالية في الجنوب إن ما يعنيها هو استعادة الدولة الجنوبية، ولا يهمها إن بقي الشمال جمهورياً أو عاد إمامياً، فتلك ليست قضيتها كما تقول إلا ما يمثله الشمال من إشكال للمملكة العربية السعودية قائدة التحالف العربي. فيما من مسؤولية الشرعية أن يبقى اليمن جمهورياً وديمقراطياً وموحداً، ومن ذلك تستمد مشروعيتها، ومشروعية التحالف العربي الذي دخل الحرب تحت إطار هذه الشرعية والتعهد بالحفاظ على أمن وسيادة ووحدة الأراضي اليمنية. وكما من غير المقبول أن يذهب الحوثي لحكم الشمال بنظرية الولاية والإمامة، لن يكون مقبولاً اقتطاع الأراضي الجنوبية من الدولة، وأي شيء من ذلك لا يؤثر فقط على الشرعية السياسية في الجمهورية اليمنية، وإنما على شرعية التحالف العربي أيضاً. لكن لماذا قد نقبل الحوار السياسي مع الحوثي تحت سقف النظام الجمهوري التعددي ورفض ولايته المزعومة، فيما لا أحد مهتم بالدعوة لحوار مع القوى الجنوبية تحت سقف وحدة الأراضي اليمنية؟!. وهل مخرجات الحوار الوطني كافية في هذا الخصوص؟!، وإن كانت كذلك لماذا لا يضطلع التحالف العربي بإقناع القوى الجنوبية بها وهو يملك النفوذ والتاثير عليها؟!، وإن كانت غير كافية فلماذا لا يرعى حواراً بينها وبين الشرعية فيما هو يملك النفوذ والتأثير عليهما معاً؟! لا أحد يقول إن الحوثي يمثل الشمال حين تتحاور معه الشرعية، وكذلك لا أحد يمثل الجنوب من القوى التي ندعو الشرعية للحوار معها، كل يمثل نفسه، والشرعية وحدها من تمثل كل اليمنيين ومصالحهم. إلا أنه من غير المقبول والمعقول إشراك هذه القوى في الحوار الدائر بين الشرعية والحوثي كطرف ثالث تحت رعاية الأمم المتحدة، فالحوثي لا يخضع لنفوذ التحالف العربي كما هذه القوى، ولأنها كذلك فالحوار معها في إطار التحالف العربي، هو الممكن، والمقبول. ويبدو أن حواراً بين الشرعية والتحالف في هذا الخصوص بات ضرورياً وملحاً، فليس من المعقول والمقبول أن يبقى الوضع على ما هو عليه في الاراضي الجنوبية المحررة. فسيادة النظام السياسي في الجمهورية وسيادته على كافة أراضيه، مسألة واحدة ولا يمكن تجزئتها، إن كنت تدعم استعادته لسيادته على الأراضي التي لا تزال مع الحوثي، فمن غير المفهوم إعاقة هذه السيادة في الأراضي التي يفترض أنها محررة، فما هو غير مقبول للحوثي لماذا قد يكون مقبولاً لغيره.
عبدالله دوبله
بين صعدة والجنوب.. 1079