الثورة هي وعي قادر على عملية تغيير للواقع، واستحالة أن يكون التغيير الثوري تحريراً إلا إذا كانت الجماعات التي تقوم به قد تغيرت هي نفسها وتحررت جذريا، غير ذلك- كما قال ادونيس- لا يكون التغيير إلا تحريكا للمستنقع يقذف إلى السطح بمزيد من الكسور والوحل، ولن يؤدي- حسب رأي مفكرنا الكبير- ذلك التغيير إلا إلى أشكال أخرى من العنف والقمع والقهر . ومن الاقوال المأثورة (الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول لإرهاب، والثورة التي يغدق عليها بالمال يتحول أصحابها للصوص ومجرمين). الثورة التي أسقطت علي عبدالله صالح وقتل، لم تسقط بعد منظومته السياسية والدينية، ولم تقتل فينا ثقافته وأفكاره ونوازعه التي زرعها على مدى سنوات من العبث، لم نتحلى بعد بالوعي القادر على تخلصينا من إرثه الثقيل، لنتجاوز الهشيم التاريخي الذي نحن فيه، أي لم نتغير بعد!. منهجه (تقلبوا) ولازال الكثير منا يتقلبون، لم تكن كلمة عابرة بل هي ثقافة وسلوك بل سياسة رسخت وتعمقت، لم يتمكن الكثير من الخلاص منها . المشهد اليوم يوحي لصراع من يرث ذلك المستبد والطاغية، كمنتقم، ويحذو حذوه، ليعيد إنتاج ماسينا وصراعاتنا، قهرا وكرها وانتقام. هي كسور ووحل ذلك الزمان البائس تقذف في وجوهنا لتتصدر المشهد، كيانات عنف طارئة، وفرصة سانحة للمنافقين، وأدوات الماضي اللعين، لتمارس عبثها بإيعاز وتموين، أعداء التغيير والثورة، المتهمة اليوم والتي يصورها البعض شيطان لابد من القضاء عليه . حرب عبثية، وأطماع خارجية، ومعاناة جهل وفقر ومرض، القضية أكبر من وعي وفكر الأنانية، والبحث عن فرصة للضغط السياسي للوصول للسلطة والثروة، الناس لم تعد تنطلي عليهم استثمار معاناتهم، واستغلال أوجاعهم، الناس اليوم تفرق بين الحل والمشكلة، وهناك من هو مشكلة يريد ان يسوق نفسه كحل . من يريد أن يكون حلاً، عليه أن يتجاوز الماضي ليكون ابن اليوم وعينه على المستقبل المنشود بالدولة الضامنة لحقوق وحرية الجميع، أن يكون قد تغير وقادر على أن يغير، لكننا لا نشاهد غير مكونات تعيد انتاج ماسينا وصراعاتنا بأقذر صورها، واليكم بعض ما يدور في المشهد الأناني. الاضراب في العمل النقابي لا يعني تعطيل الحياة، نجاحه وفشله يستند على الظروف الذاتية والموضوعية لواقع البلد، الفشل معناه كارثة تعم الجميع، والنجاح يجب أن لا يخص فئة بل يجب أن يعم الجميع. الوعي يدرك أن حريتك تسقط عندما تمس حرية الآخرين، وحقك يسقط عندما يضر بالحق العام والصالح العام، ونحن اليوم لا نراعي الحق العام ولا الصالح العام. لا الظرف الموضوعي ولا الذات صالح اليوم لإضراب نقابات نوعية، وبعضها عبارة عن أدوات ضغط سياسية، وجزء عتيق من الماضي، في وطن يتعافى، ويصارع سلب السيادة والإرادة للأطماع، هو بحاجة لتوحيد الجهود لانتشاله مما هو فيه لينهض ويكون قادرا على الايفاء بحقوق ومستحقات الناس . إغلاق المدارس ويتبعها الجامعات مصدر النور، هو التجهيل للمجتمع بعينه، التهديد بقطع التيار الكهربائي والماء هو ضرر عام يمس الجميع، تخيل إضراب الأطباء والمستشفيات، وكارثة الوقاية،و عمال النظافة والكارثة البيئية، والانفلات الأمني وسببه أن الأمن جزء من المشكلة في تعدد ولاءاته وأجنداته،عبث طال كل شيء عام لتحقيق هدف خاص، إلا أنا وبعدي الطوفان.. . تتفجر هذه الطفيليات نكاية بأفراد وجماعات وصراع ومكايدات نحن ضحاياها والوطن، الحكومة ليست أفراداً، بل منظومة مؤسسات وسياسات، فيها كل شرائح المجتمع والمكونات السياسية، تصارع سلب السيادة والإرادة، كل مسئول في موقعه ووظيفته، إذا صلحت النوايا صلحت النفوس، سنشكل حصنا قويا لمشروع وطن يستوعب كل أبنائه، الدولة الضامنة للمواطنة والعدالة والحقوق العامة والخاصة، دولة النظام والقانون وسلطة مصدرها الشعب، وفق دستور وقوانين ضاغطة، بعيداً عن الصراع الأبدي حول السلطة والثروة، لنكون أمة كسائر الأمم في المعمورة .
أحمد ناصر حميدان
وعي الثورة ومنهج تقلبوا 1180