يقول صاحب القصة: وقف الرجل على مقربة مني، كلانا ينتظر المرور فوق جسر السائلة؛ كنت قد أحجمت في قرارة نفسي عن سؤاله هل المدرسة التي نعبر إليها هي التي يتم فيها توزيع السلال الغذائية؟ لا أدري لماذا لم أسأله؟ رغم أنه مثلي يحمل كيساً كبيراً "جونية" لحمل تلك المساعدات التي توزع للمحتاجين.. ربما لأنه من فئة المهمشين التي يستكثر العديد من الناس تجاذب أطراف الحديث معهم. رأيته أيضا في حوش المدرسة لكنه لا يقف بين جموع الضجيج التي تتزاحم بقسوة بعضها فوق بعض. كان يستخدم ذات الجونية في نقل مخلفات المجاري التي ينظفها على مقربة من التجمع البشري للناس في حوش المدرسة. كان ينظف انسدادات المجاري فيما الرائحة تكاد تقتل الواقفين في الحوش. الرائحة التي تشبه مهانتنا ونحن نتدافع من أجل فتات المساعدات. في وقوفي طوال النهار أنتظر دوري بين معلمين ونازحين جمعنا ذات الفقر والحاجة كنت أراقب الرجل يعمل بصمت بلا كلل؛ فيما اعتادت أنوفنا على الرائحة القاتلة كما اعتادت أرواحنا على هذه المهانة بأن تحولنا إلى متسولين بدلا من معلمين. في نهاية اليوم وفي ذات الطريق كنت أحمل على كتفي كيس المعونات فيما الرجل يمشي على مقربة مني يحمل كيسه المتسخ ببقايا القاذورات.. شعرت أنه لا يوجد فرق فيما أحمله ويحمله هو؛ وثأرا لكرامتي الجريحة سألته: _ لماذا لا تطالب بسلة غذائية أسوة بالجميع؟ رفع الرجل جبينه المتغضن دهشة وهو يقول: _ نادراً أن يقيد اسم عائلات المهمشين في سجلات الإغاثة لديكم؛ تماما كما هو نادر أن يجد مرضانا سريراً في المستشفيات أو رعاية طبية؛ لا أحد يفكر بوضعنا أبداً؛ رغم أننا أول من سحقتهم الحرب معيشيا والجبهات تمتلئ بنا هروباً من الفقر والجوع. قلت له وأنا أضع الكيس عن كاهلي: لماذا تظن هذا؟ ضحك الرجل وهو يقول؛ لأننا مهمشون؛ لأنكم تنظرون لنا دائما كشيء أقل؛ كمتسولين. صدمتني عبارته برهة كأنه يتحدث عنا نحن.. هؤلاء الحوثيون الذين قادوا البلاد إلى الخراب ينظرون إلينا هكذا !! كشيء أقل.. وماذا عسانا نفعل الآن؟!! نحن نتسول جمعيات الإغاثة.. نحن متسولون فعلا. قلت له وأنا أعاود رفع الكيس على ظهري: _ يا صديقي.. كلنا مهمشون وكلنا متسولون.
فكرية شحرة
كلنا متسولون 826