كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر حداً فاصلاً في تاريخ اليمن المعاصر، والمحطة التحويلية التي حول الشعب اليمني فيها مساره وتوجهه نحو الحرية، واستعادة حقه التاريخي المنتهب في الحكم والسيادة من قبل العصابات الدخيلة عليه تاريخياً وجغرافيةً وعرق. وبات انقلاب الميليشيات الإمامية في تراجع مستمر حتى في الوعي الجمعي عند الغالبية الزيدية نفسها، لأن الثورة العلمية والثقافية ووسائل التواصل الاجتماعي والثقافي فعلت فعلها وغيرت المفاهيم واقتحمت العقول دون إذنٍ من مُدَّعي للدين أو الخلافة أو خرافة الولاية في البطنين، وبات الحق للشعب عن طريق بطنٍ واحده هي الصندوق والانتخابات الديمقراطية الحرة لليمنيين الحميريين الأقيال الخُلَّص، ومن سار في ركبهم من باقي الأعراق دون شروط أو تعالٍ أو سمو. وبدأ الكثير من المؤمنين بمبدأ العصابات الحوثية الرسية التوجع من الحركات والأنشطة الشبابية القومية والداعية إلى بعث الهوية اليمنية، وتعزيز مبادئ الانتماء للوطن والأرض والمناهضة لعنصريتهم وطائفيتهم وركوبهم لموجة الدين، التي اعتبروها مركبهم الذي يجب أن يلتحق به الناس أو أن الغرق مصيرهم المحقق؛ ومعاديين للتيارات التي تحاربهم بالفكر كمجموعة أقيال والعباهلة، والتيارات اليمنية الحرة بمختلف توجهاتها السياسية والفكرية، والتي مثلت انعكاسا حقيقياً للممارسات الحوثية الطائفية والعنصرية الممتدة لقرون في اليمن. فغروا أفواههم كالأفاعي نفثوا سمهم الأسود وأرغموا البعض على طلاق زوجاتهم الهاشميات بعد العشرة والخلفة أبناءً وبنات. أذهلني ما قاله أحد السلاليين للأستاذ “سام الغباري” حفيد “ذمار بن علي بن يهبر الحميريٍ: “عُد إلى القرية ومارس مهنة أجدادك زراعة الأرض وتربية الماشية!”، يا للهول ويا للفاجعة بات المواطن صاحب الحق في بلده غريباً منزوع أبجديات الحقوق الإنسانية، والغريب بات الأصل فيها بعد أن استحل دماء اليمنيين أدهار وأزمان، باسم الحق الإلهي في الحكم، وكأن اليمنيون جاءوا من هوامش التاريخ وأرصفة الحضارات وليسوا ملوكاً وحكام طيلة عشرة آلاف سنة، وكل أمهات الكتب التاريخية، من الكامل في التاريخ إلى البداية والنهاية إلى تاريخ ابن كثير إلى الديانات السماوية الثلاث تغص بتلك الحقيقة. أوضعت الإمامة الرسية فينا مراقد الضلال وأوردتنا المهالك، دمروا حضارتنا معابدنا قصورنا هياكلنا تاريخنا سدودنا؛ كانت اليمن البلد الأشهر في بناء السدود والزراعة والنظم العمرانية والزراعية بين الأمم في عصرها، حقداً وطمساً للهوية هدموا قصر سبأ في صرواح وقصر حمير في حاشد وقصر شبوة في حضرموت وأحرقت جامعتي زبيد وجبله بعد تدمير قصر غمدان التاريخي الشهير وسد الخانق في صعدة. وما تمارسه الميليشيات الحوثية اليوم إلا امتداداً لنهج من سبقوهم في الحكم “يحيى الرسي” و”عبدالله بن حمزة” والعياني، والديلمي وأحمد بن الهادي” وغيرهم من المتواردين إلى اليمن من خارج حدوده. نكلوا بمعارضيهم من اليمنيين واستباحوا دمائهم وأموالهم حتى حللوا سبي النساء، وانتهكوا أعراضهم وهم مسلمين وموحدين، عرفوا التوحدي والأنبياء من قبل الإسلام وظهور الرسالة المحمدية بآلاف السنين. وهنا يبرز التساؤل الحائر ما لذنب الذي اقترفه اليمنيون حتى تُعمل فيهم العصابات السلالية كل هذا الخسف والدمار التاريخي الممنهج؟ وهم من نصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وآووه وحموه وأسمعوه ما لم تسمعه قريش الكافرة حينها، حينما قال زعيمهم سعد بن معاذ: “سِر بنا حيث أمرك الله، والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك!”، حتى أظهره الله على كفار قريش بسيوفهم ودمائهم وخرجوا من الأمر كله في حادثة السقيفة. ما الذي اقترفه اليمنيون ليصابوا بتلك الجائحة باسم الدين والحق الإلهي السلالي المزعوم؟، وأجداهم حملوا السيوف وشدوا خيولهم وانطلقوا فاتحين بقاع الأرض من الصين شرقاً حتى مشارف فرنسا غرباً، وفي غيابهم تسللت السلالية الدعية إلى ديارهم لتهدم دورهم وسدودهم وآثارهم ومعالمهم الحضارية وتقتل كل حُرٍ فيهم وعالم وأعادتهم إلى ما قبل التاريخ.
د. محمد شداد
أقيال اليمن…في مواجهة العصابات الرسية 870