هناك من استلذ العيش في كنف السلطة، ينتقل بانتقالها من حزب لحزب ومن كيان لكيان، في أحلك الظروف الذي يعيشها الوطن، عندما يكون بحاجة لمواقف وطنية شريفة، واصطفاف وطني لمشروع المستقبل، يتوارى عن الأنظار متربصا لمرسى السلطة، مستعدا للقفز لقاربها كان من كان، لا قيم تحكمه ولا مبادئ يتحلى بها، قيمه ومبادئه مصالحه، أن يبقى في كنف السلطة يرعى في مرعاها ويقتات في زرائبها فاقد السيادة والكرامة لا يهتم لأنها شيء استثنائي بالنسبة له. كنا قد عذرنا من ظلموا في 13 يناير وانضموا للمؤتمر الشعبي العام، ولم نستطع أن نختلق العذر للرفاق الذين كانوا أكثر تعصبا للاشتراكية، وتركوا الحزب وقفزوا لقارب سلطة حرب 1994م، مصالحهم تطلبت ذلك. هؤلاء هم درع الاستبداد والطغيان للمرحوم عفاش في الجنوب حينها، بل كانوا أبواقه التي صنجتنا زورا وبهتانا ونفاقا، وتصدوا لكل إجراءات المشترك حينها في وقف التعديلات الدستورية والانتخابات المزورة، بل كانوا يصفونها بإنجازات عظيمة، كنا نحن رفاقهم تحت مرمى قذائفهم القذرة من اتهام وتهديد ووعيد وخيانات وحصار وقطع الأرزاق، مارسوا في حقنا التعسف والقهر وكسرة النفس وإهانة الروح والإهمال المتعمد. طبعا الشرفاء لا يستسلمون، ظل الرفاق على موقفهم صامدون، الوطن يعيش في أعماق وجدانهم، لا يمكن أن يساوموا به بوظيفة او جاه أو رفعة أو مال مدنس. عاشوا حياتهم في مراعي الفساد والنهب والمؤامرات، وعشنا حياتنا محتفظين بكرامتنا رغم العوز والحاجة، والقهر والظلم على وطن يستباح وينهب وعبث بالأرض والإنسان، واقع مخزي تطلب ثورة، أشعلها الشرفاء في الأحزاب الوطنية المنطوية بالمشترك، بينما هم كانوا مخدرين بالنعمة وطاعة المستبد، والتصفيق وخلق المبررات وتشويه الثورة على أنها مؤامرة سيتم قمعها. ذهبنا حينها لمنتدياتهم ومجالسهم، لندعوهم للثورة، الكثير كان عصي على التغيير، كان عبدا أصيلا لسيده ومولاه، واستمرت الحكاية حتى بدأ النظام ينهار ويتهالك ويسقط في شر أعماله وتحالفاته القذرة. اليوم معظمهم قد قفز لقارب الجنوب ليكون في الصفوف الأولى، القارب المدعوم من الأطماع الخليجية حيث الإغداق بالمال والوهم بالسلطة، ليكون عبدا تحت سيد آخر، يلبس ما يلبس، ويردد ما يردد، عميل مرتزق امتهنها بحرفية، معتقدا أن أسياده يرسمون لعودة حكم سيده عفاش. ومن سخريات القدر أن تجد منافقا من هؤلاء يرمي الشرفاء بالاتهامات القذرة التي اتصف بها ولازالت لاصقة فيه سلوكا وثقافة وتاريخا ملطخ بعبث الجنوب. وجد الطامعون في اليمن جنوبا وشمالا أدواتهم من هذه النوعية، التي لا تهمها سيادة ولا إرادة، همها مصالحها، كانوا معاول هدم للجنوب، ولا يزالون معاول هدم، مهما اختلف ممونهم، ومزرعتهم وراعيهم، هم عبيد وسيظلون عبيد امتهنوا النفاق والبيع والشراء، لا مبادئ ولا قيم تحكمهم. لن نبني مستقبلا بكذا أدوات رثه، لا حيات لهم في واقع مستقر، ومجتمع مُثل وقيم وأخلاقيات، ودولة ضامنة للمواطنة، هم يصنعون اليوم الفوضى التي تساعدهم على البقاء متطفلين، فوضى الصراعات والتكتلات التي تغذي هذه الصراعات. اليوم يرددون تشكيل مكون ضد مكون، وإعادة تفعيل حزب لمواجهة حزب، بينما الناس تتطلع للدولة الضامنة للجميع وتستوعب الجميع حسب نصوص مخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور. اللهم جنبنا شر المنافقين والفاسدين والمتقلبين والمتلونين، وانصر مشروعنا الدولة الضامنة للمواطنة التي تحتوي الجميع في كنفها دون صراعات وتناحر، لنشكل لوحة جميلة بتنوعنا لوطن ننشده جميعا.
أحمد ناصر حميدان
المنافقون وكنف السلطة 1300