قبل أربعة أعوام من الآن، اجتاحت جحافل الإمامة العاصمة صنعاء، وأقامت "وليمة" على شرف تقويض النظام الجمهوري. ينظر اليمنيون إلى الثورة كحالة إلهام تاريخية، أما الجمهورية فهي مبدأ مقدس، غير قابل للتفريط، والنظام الجمهوري هو النقيض السياسي للإمامة التي عاودت الانتشار فجأة في أحشاء هذه الجغرافيا، ومارست تنكيلا غير مسبوق باليمنيين. كانت النهارات التي سبقت الواحد والعشرين من سبتمبر المشؤوم للعام 2014 داكنة وكثيفة السواد، فقد عاش الجمهوريون أياما مرعبة، وكانوا يمارسون البكاء سرا. عندما انتصرت الثورة المناهضة لحكم الأئمة قبل أكثر من نصف قرن كانت فتية وقوية بما يكفي لإخماد كل محاولات الإمامة في النهوض والمقاومة. في العام 2014 بدا الطريق سالكا إلى صنعاء التي تجاوزت النواح الغريب لقباب باب اليمن وصارت أقرب إلى روح الحضارة من خرافة الاصطفاء وطقوس المناجاة الليلية إلى الأرواح الغامضة. اكتشفت صنعاء لاحقا أن الجمهوريين في أضعف حالاتهم، وأنهم لا يمتلكون لغما واحدا لإعاقة تقدم أفواج المسلحين إلى قلب صنعاء؛ فقد كان الجمهوريون يمارسون البكاء سرا، وكانت صنعاء تتوارى خلف جبالها الجنوبية وتضع الصمغ على أسماعها لتفادي سماع زوامل الافواج القادمة، ثم تبكي بمرارة الذي فقد كل أمل في النجاة. كان الغموض يكتنف المشهد برمته، بينما ظل اليمنيون يترقبون الدولة، وهي اخر الحصون الهشة التي تعرت لتظهر في صورة صادمة ومفاجئة للجميع ؛ فبعد خمسين عاما من الجمهورية تمسك اليمنيون بأمل تدخل الجيش الذي بني تحت راية الجمهورية لإنقاذهم..غير أن صنعاء في اللحظة الفارقة فشلت في حشد كتيبة واحدة لمواجهة الإماميين. ثمة من طعن الجمهورية من الظهر، حتى بدا أنها تتهاوى كبناء شاهق من القش.. انفجار هائل تطايرت معه أحلام الناس بالدولة إلى أشلاء. عاش الإماميون ربيعهم الذي كان مستحيلا، وذهبت سواعدهم اللعينة تطيش في الخارطة اليمنية بوحشية واجرام منقطع النظير، وتخوض حربا شاملة ضد اليمنيين في مسيرة دامية هدفت لحشو هذه الارض بما يكفي من الموت والفناء.
عزوز السامعي
معركة استعادة الجمهورية 803