ذرف المعلم دموعه أثناء بيعه أثاث منزله.. نعم، لقد انكسرت روحه؛ لم يستطع تحمل كل هذا الألم، انهارت قواه، لم تستطع قدماه الوقوف؛ احتضن فراش منزله يتحسسه ويتشبث به بكلتا يديه قبل أن يبيعه، بعد أن أجبرته معاناته، وظروفه المعيشية الصعبة أن يبيعه ليطعم أولاده، ويشتري ما يسد رمقه وأسرته، بعد أن ضاق به الحال، وباع كل ما يملك، ولم يعد يتبقى له سوى أثاث بيته، كوسيلة أخيرة لبقائه وأبنائه على قيد الحياة، بعد أن سلب تجار الحروب راتبه وتركوه يهتان ليبحث عن ما يؤويه وينهي معاناته... في بلد ضاع فيه حق المعلم؛ ليجد نفسه ضحية حرب، وقوى متناحرة على السلطة والبقاء، لايهمها أن يموت جوعاً أو عطشاً.. فقط يريدونه أن يصمد.. أن يقف في الفصل ليشرح درساً.. أن يؤدي واجبه.. أن يصمت وقت مطالبته بحقه أو بحل بديل ينهي معاناته!! لا يهم أن يأتي وهو لا يملك ما يسد جوعه، ولا يهم أن يعود إلى المنزل وهو لا يحمل بيديه شيئاً لأطفاله. هو فقط يعود لأسرته وفي يديه بقايا آثار لقلم كتب به على سبورة المدرسة "سنحيا كرماء"!! ليعلم طلابه دروساً في الصبر والإخلاص وكرامة الإنسان وهو يتحمل ويضحي لأجلهم دون أن ينال حقاً من حقوقه.. ودون تصان كرامته وتحفظ مكانته في بلد يموت المعلم فيها جوعاً ويُهان؛ ليدفع ثمن تضحيته وصبره وتحمله. يعلمهم بأنهم وهو ضحية تجار حروب، ومافيا لا ترقص طرباً إلا عندما تراهم يتضورون جوعاً، ويموتون عطشاً.. صبراً أيها المعلم، فمثلك لا يبكي.. صبراً.. فنحن نعيش في وطن جميعنا فيه غرباء. صبراً.. سنعلم كل الأجيال بأن يوماً في وطني بكى أستاذ..!!
لطيفة الفقيه
دموع ووجع..! 742