كلما نهتدي لمشروع وطني يوحد الأمة ويلملم شتاتها، مشروع تغيير واقعنا للأفضل، لنواكب العصر والمرحلة، مشروع بناء الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة.. تبرز مشاريع صغيرة تعترض طريقنا، مشاريع الماضي الفاشلة، مشاريع الصراعات والحروب، مشاريع شمولية استبدادية، تهدف لاجتثاث الآخر، وحكم الناس بالعنف الثوري، نصف قرن ونحن نراوح في هكذا مشاريع، يرى فيها البعض تكمن مصالحه، تهيمن منطقته أو طائفته أو فكره أو توجهه، وطز بمصالح الآخرين، ومستقبل الأمة. مواقفنا الثابتة هو رفض هكذا مشاريع، حتى وإن غلفوها بشعارات وطنية وثورية لزوم الخديعة للاستحواذ على عقول ومشاعر الناس ووطن، نعرفها جيداً من سلوكيات أصحابها، فنتصدى لها، نرفض إسقاط القيم الوطنية والإنسانية، نرفض الاستبداد والهيمنة، نرفض أن يتصدر مشهد التخلف والجهل وصراعات سلبية مناطقية وطائفية، نرفض قراراتهم واختياراتهم التي توحي بكل ذلك. وفي أحلك الظروف وقساوة الواقع، ونحن مثقلون بالقيم والمبادئ، وهي تتساقط من حولنا، سقوط مدوي لدى الكثير، بلعبة لم يفهمها البعض، ونحن نحاول أن نفهمها، في تحدي لسنوات، وصمود في وجه الباطل والوهم، والتصدي للصغائر، لنرتقي بما هو أكبر وأشمخ، غير آبهين بسخرية وازدراء البعض لرؤانا وقناعاتنا، لم تؤثر فينا تهديداتهم و وعيدهم. اليوم أحسست بشعور آخر، هل هو اضطراب الساعة البيولوجية، أم أنه الشعور بجدية هذا التهديد، الذي مر بطقمه بحركات بهلوانية أمام سيارتي في الشارع العام، محاولا صدمي، مع إشارة اليد التي توحي بقطع الرأس، لا أخفيكم سراً فقد سرى فيّ شيئ من الحذر الشديد اتجاه سلامتي الشخصية والعائلية والحاجة الدائمة لتوفير الحماية المفرطة للنفس، في مدينة يفتقد الإنسان فيها للأمن والأمان، وتغيب فيها المسئولية اتجاه الآخرين، كل يرتب وضعه ويحمي نفسه، أفراداً أو جماعات حزبية أو قبلية أو مناطقية، هذا الواقع الذي فيه أنت أسير.. هذا الوطن هو حزبك وهو قبيلتك وهو منطقتك تشعر فيه أنك ستكون الضحية لدرجة تجعلك تشعر بالإنهاك النفسي والذهني، بالتأكيد لست الوحيد فالعديد من الأفراد يسيطر عليهم الخوف من التعرض للقتل أو الوقوع ضحايا للجرائم من أجل رأي أو موقف أو اختلاف، كما تعودنا نحن المؤمنون، نلغي عقولنا ونخاطب مشاعرنا بإيمان تقبل الواقع كقدر، وهو مكتوب في الجبين تراه العين، المهم في كل ذلك أن لا تفريط بالقيم والمبادئ الذي قدم أسلافنا ورفاقنا أرواحهم فداء لها، ونحن على دربهم سائرون، والله وحده يعلم ما في النفوس وهو الستار والرحيم بأمته أجمعين. ينصح بعض الرفاق، أن تترك أرضك ووطنك مؤقتا حتى تزول الغمة،وتنظم لجماعة المغتربين عن وطن، جماعة الدولار أو الريال السعودي أو الإماراتي، جماعة لا تقبل مثلنا، نحن علينا أن نكون في فوهة المدفع و وسط المعمعة، وهم يشاهدون ما يحدث ويتربصون، وكلما سقط منا واحد يحمد الله إذا حصل له نعي من الرئاسة أو الوزراء، وتنقل خبر وفاته شاشات التلفاز، لا دعم يذكر للمناضلين في الداخل لا معنوي ولا مادي لمجاراة الطرف الآخر، الدعم ينصب على من هم في نعيم الفنادق والملاهي الليلية وأجمل مدن العالم، ونحن في جحيم الفقر والمرض والمعاناة، والعجز عن العلاج،وهم منتظرين النصر واستقبالهم بالأحضان. وهل ستزول الغمة بالاغتراب، والاغتراب مأساة بحد ذاتها، يفقد الإنسان فيها الكثير، بعضهم يقول لا كرامة بدون وطن، ولا وطن بديل لوطني، والاغتراب كلفة لا نتحملها نحن المطحونون في رواتب ضئيلة، لا تفي بمتطلبات الحياة والعلاج، فتظل بلادي وإن جارت على عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا على كرام، ونفسي وروحي وأفكاري فداء لكي يا يمن.
أحمد ناصر حميدان
لا استسلام للخوف 1299