قد يظن البعض أن وراء تعنت مليشيا الحوثي عن الحضور إلى جنيف كان لأغراض سياسية، أو أن مراوغاتهم كانت بسبب التذرع بادعاءاتهم السمجة، ولكن يجب أن نتساءل بوعي: لماذا لم يستجب وفد مليشيا الحوثي هذه المرة على الرغم أنهم هذه المرة أضحوا قوة وحيدة بعد انقلابهم الثاني على شريكهم في الانقلاب وقتلهم لعلي عبد الله صالح، وهذه كانت مؤشرات تقول إن لديهم فرصة للحضور خصوصاً عقب تقرير لجنة "الخبراء" الذي كان متحيزا بشدة لهم وكأنه ناطق رسمي باسمهم، ومزاج المبعوث الأممي الذي يبالغ في دلالهم والتستر على جرائمهم والانحياز لهم وخصوصا أن المشاورات كانت مفروشة بدماء الأطفال في صعدة بعد أن استثمرتها مليشيا الحوثي واللوبيهات الدولية والخارجية الأميركية ومؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وذلك بعد خيبة أمل هذا المجتمع الدولي المنافق وخسارته الفادحة التي حالت دون استثمار مجزرة سوق السمك في الحديدة بعد فضح قناة المسيرة لنفسها وتصوير بقايا سقوط قذائف مدفعية استهدفت السوق والمشفى في الحديدة وتدل قطعا أن المرتكب لهذه المجزرة كانت مليشيا الحوثي، فتم تعويض تلك المجزرة بمجزرة "حافلة ضحيان" وتسويق مظلومية أخرى لمليشيا "حرث الأرض" حتى تحضر جنيف كضحية يتسنى للرعاة لها والمساندين والداعمين ابتزاز الحكومة الشرعية والتحالف العربي والضغط من أجل انتزاع مكاسب سياسية لها، فلماذا أضاعت مليشيا الحوثي هذه الفرصة الثمينة بعد كل ما سبق من معطيات تهيئ لها؟! كان لا بد من التذكير بالأحداث التي سبقت تنسيق المبعوث الأممي جريفث لمشاورات جنيف، ولكنه فشل فشلا ذريعا، وتلقى صفعة لم تكن في حسبانه خصوصا وأنه ظن أنه قد حقق لمليشيا الحوثي ما لم تكن تحلم به، ولمّع وجهها رغم القبح الشنيع!! فلماذا رفضوا الحضور؟ وعندما تضاربت تبريراتهم وأعذارهم الكاذبة المفضوحة، لماذا حشدوا لها كل قدراتهم الإعلامية في الداخل والخارج، وخطاب عاطفي لعبد الملك الحوثي بصوت متمسكن مليء بالمظلومية!! ما هو السبب الحقيقي وراء ذلك؟! وباختصار مفيد فقد ألجمهم وزير الخارجية المحنك الأستاذ خالد اليماني ودحض حجتهم بالتذرع بالجرحى، وقال أن التحضير للمشاورات استمر نحو شهرين ولم يتم الحديث عن جرحى، وأكد أن الجرحى يتم نقلهم بطائرات الإخلاء الطبي وليست في طائرات ركاب، حتى وإن كانوا جرحى غير يمنيين فلم يكن هذا هو السبب وراء رفضهم الحضور إلى جنيف. والسبب من وجهة نظري وهو ما تشير إليه كل المعطيات، أن الوفد الحكومي للشرعية كان قد شدد هذه المرة على ضرورة التزام المبعوث الأممي والمجتمع الدولي بإنفاذ متطلبات "بناء الثقة" والتي تتمثل في "تبييض السجون" والإفراج عن المختطفين والمخفيين قسريا في سجون مليشيا الحوثي مقابل الافراج عن أسرى الحوثيين لدى الشرعية، وهي ذات المبادرة التي طرحها الوفد الحكومي في جنيف 1 والكويت وتحدث بها معالي الأستاذ/ عبد العزيز جباري أكثر من مرة، وهنا كان الحوثيون يدركون أنهم يخسرون كل شيء!. ملف المختطفين يا حكومتنا الشرعية، لقد نجحتم في خنق مليشيا الحوثي وليّ ذراعها وتعريتها بحق، وتفكيك كل الرتوش والديكورات والتحسينات والتجميلات التي كانت الأطراف الدولية المنافقة التي تبتزكم بملفات سياسية على حساب الملف الإنساني الأهم، وهنا تستحقون خالص التحية والتقدير. ولأنكم نجحتم في هذه المعركة الدبلوماسية فنحثكم على الإسراع في خوض معركة حقوقية قضائية طبقا للقانون الدولي الإنساني الذي يوصّف لكم مليشيا الحوثي على حقيقتها، وينزع أوصاف "قائد الثورة" و "سلطات الأمر الواقع" الذي سعت الأطراف الدولية وصف مليشيا الحوثي الإرهابية بها، والضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة بضرورة تقديم هذه المليشيا إلى المحاكم الدولية والمحلية، ورفع الغطاء عنها وتنفيذ القانون الدولي وميثاق روما ومواثيق الأمم المتحدة التي أكدت " أن الجرائم ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره ويجب منعها" وذكّرت في ديباجة مواد "الجرائم ضد الإنسانية" أن تعريفها يأتي طبقا للمادة السابعة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ثم بينت بشكل مفصّل ما هي الجرائم ضد الإنسانية والتي ترتكبها مليشيا الحوثي ومنها حسب نص المادة الثالثة: "هـ - السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية، و- التعذيب. ط- الاختفاء القسري للأشخاص" هذه الجرائم التي تمارسها مليشيا الحوثي، والتي ينص فيها قانون العقوبة على أنه "يشمل العقاب الفاعل المباشر والآمر والقائد والساكت وكل من امتنع عن منع ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ولو لم يكن مشاركا في فعلها!. * تلك منطلقات نحثكم في الحكومة الشرعية على ضرورة العمل عليها بشكل عاجل لتحققوا الهدف من الحرب بكلها، فنحن نخوض حرب لاستعادة دولتنا ووطننا من هذه العصابة الإرهابية الموغلة في الإجرام، ولأنكم تتعرضون في الحكومة ومعكم التحالف للابتزاز من قبل المجتمع الدولي المنافق فوجب عليكم نقل الكرة إلى ملعب الأمم المتحدة وجمع ملفات جرائم مليشا الحوثي إلى محكمة الجنايات الدولية، والضغط على المبعوث الدولي بحماية وتنفيذ القانون الإنساني الدولي، وملاحقة المجرمين. قد يتساءل البعض: وكيف كان ملف المختطفين سبب غياب الحوثيين عن جنيف؟ والإجابة في تقرير لمراسلون بلا حدود التي أكدت "أن الحوثيين يستخدمون الصحفيين والمختطفين كرهائن لتحقيق مكاسب سياسية" وهو ما فعلته مليشيا الحوثي عقب فشل جنيف بإعادة الابتزاز بملف الصحفيين (وغدا سيأتي التفصيل عنه) وتلك جريمة كبرى يجب أن يتم منعها فورا. لقد نجحت الحكومة في جنيف الأخير، ويجب أن تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن المختطفين وأن تتحول إلى مربع الفاعل وتغادر مربع رد الفعل الذي لا يخدم الحكومة ولا التحالف ولا الضحايا وهم الأهم، فهل تلتقط الحكومة الفرصة وتحقق جولة أخرى من النجاحات في ملف المختطفين؟! ننتظر..
حسين الصوفي
"المختطفون" هزموا الحوثيين في جنيف! 1187