ما ألذ الكتابة عن ماضي عدن الجميل، وكم مؤلم الكتابة على واقع عدن اليوم الحزين. لا يمكن أن تذكر عدن دون جمال شواطئها وخلجانها وجزرها، دون الرحلات الأسرية الجماعية للسهر والسمر والمبيت حتى الصباح على رمالها، والطبيخ (الزربيان) العدني المشهور، بحب ووئام واحتفالات بهيجة وروابط التعايش. ولا يمكن أن ننسى علاقة عدن بالسينما والمسرح، العروض نهاراً وليلاً، وما أكثر دور السينما في عدن وهي السباقة في المنطقة، وأشهرها دار بلقيس وريجل والأهلية وبرافن، في كل حي من أحياء عدن توجد سينما، اليوم هي مباني متهالكة مهملة، يهددها جشع الإنسان، ليمحي بصمات الماضي الجميل في عدن، ولا ننسى مسرحها الوطني، والعروض الراقية التي تنافس بقوة في المحافل الدولية . كل ذلك صار ماضياً واندثر، ونكتب عنه بحسرة وألم على فقدانه، ولم يبق غير الجراح والدماء التي تراق اليوم في عدن، منذ الاستقلال وازدادت وتيرة بعد اجتياح عدن في 94م وتكرار هذا الاجتياح في 2015م، ونضال وكفاح أبنائها الذين سطروا التضحيات الجسام لتتحرر عدن، وأن تحررت من طمع الغزاة، فلازالت أسيرة طمع المستبدين والطغاة، ولازالت فيها الدماء تراق والأرواح تزهق، والظلم والاضطهاد يمارس،و الفساد ثقافة، ولازالت عدن تنزف دما طاهر وتصرخ الم وتئن قهر وحسرة، فاجتاحتها ظلمة تحجب كل بادرة أمل وبارقة نور تشع بروح التفاؤل للخير والخروج من هذا النفق المظلم. لم ييأس أبناؤها بمحاولاتهم استعادة عدن، منظمات مجتمعية، جماعات شبابية، نشطا، مهرجانات للتراث ومعارض للفن التشكيلي، محاولات لكسر حاجز الخوف والرعب وبث روح الأمل والتفاؤل باستعادة عدن لمجدها ورونقها، توجت تلك المحاولات في الحدث البارز اليوم في فيلم (عشرة أيام قبل الزفة) للمبدع الكاتب والمخرج عمرو جمال ومجموعة من فنانين عدن المخضرمين والشباب. الفلم الذي تدور قصته عن عدن والحرب والمعاناة، كان نقطة الضوء الوحيدة التي بزغت في ظلمة حالكة لتضيء واقعنا المظلم، وترسم البسمة على شفاء الناس، والثقة في لحظة الخذلان، وتطبب جروحهم النازفة، لتبرز عظمة وشموخ هذه المدينة وأبطالها ورجالها البواسل. هذا الفلم أعاد لعدن رونقها وجمال روحها كمدينة للمسرح بغزارة انتاجاته، والسينما كعروض وصناعة، اليوم يثبت هؤلاء الشباب الواعد والفنانين المخضرمين أن عدن قادرة أن تقف من جديد وتنهض بوعي، وتحطم قيود التخلف والجهل والعنف والقهر، إنها رسالة راقية معززة للقيم والفضائل في النفوس وجمال الروح، باعتبار الفن أداة لانعكاس وبلورة معطيات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والحضاري، المسرح والسينما مرآة تعكس الصورة الحضارية للشعوب، وتقدمها بصيغة جميلة للعالم من ثقافة وارث وتاريخ وعادات وتقاليد، المسرح والسينما يشخصان الحالة ويسلطا الضوء على واقع المجتمع سواء من حيث الاستقرار أو من حيث المعاناة وطرح هذه المعاناة للنقاش والتحليل، ما أمسنا في هذا البلد التعيس لنكتشف أنفسنا وعلاقتنا ببعض، لنترك مختلف أشكال الخصومات ونتحول لشركاء فاعلون بمختلف الإمكانيات والأفكار ليتم إيجاد الحلول الناجعة والمناسبة للتخلص مما نحن فيه، كم نحن بحاجة للترفيه وصقل المواهب، وهي البداية التي تخطوها عدن لتنهض وتتجاوز جراحها و أوجاعها. شكراً للفريق الفني بصغيرهم وكبيرهم، شكرا لكل من ساعد وساهم في إخراج هذا الفلم للشاشة، شكرا للفنان المبدع والمجتهد عمرو جمال، وهنيئاً لعدن لهذا التألق وهذا النجاح في صناعة السينما، وكسر روح اليأس وترسيخ روح التفاؤل.
أحمد ناصر حميدان
عدن.. عشرة أيام قبل الزفة 1350