عندما تستفحل الكراهية والأحقاد في الجماعة، تأخذ أبعاداً أكثر شمولية ومنهجية في الثقافة والعقلية، وترى تلك الجماعة لا وجود لها في مجتمع ديمقراطي فيه الآخر شريك، مجتمع متماسك يحفظ تطلعاته، والحياة الكريمة للأمة. وينصب التفكير في الحياة الكريمة التي تمكنهم من السلطة والثروة، فيتحولون لوحوش كاسرة لفرض أمر واقع بالعنف الذي يتسلحون به، وبدلاً من الاصطفاف الفكري والحزبي، يدعمون اصطفاف مناطقي أو طائفي، حيثما تجد هذه النزعات تجدهم فيها، وهي أسلحة الاستبداد. البلد ضحية هذه العقلية العصية على التغيير، صانعة الفشل العام الذي يتغلل بالفوضى والصراعات وكيل الاتهامات، وشيطنة الآخر والظهور بمظهر المنقذ الوديع، بجمال الشعارات والهتافات التي لا تنعكس كسلوكيات وثقافة، بل مزيد من تأزيم الواقع وتعنيفه. استطاع المفكرون السياسيون تمييز الصراعات، بين الخصومة والعداوة. في المجتمع المدني، الخصم هو شريك لك في الوطن والمصير، وعليك تجنب التفكير بإبادته أو القضاء علية، هو طرف أساسي وهام في العملية السياسية وتطور وازدهار اليمن، المسئولية جماعية، سلطة ومعارضة يكملان بعضهما وتصب سياساتهم في الصالح العام بعيد عن إثارة النعرات والصراعات السلبية، والشحن والتحريض والشيطنة، والهد الغبي للقيم والمبادئ والسياسات والعلاقات، التي تثير النزعات والأحقاد والكراهية، في تنافس غبي خارج إطار الديمقراطية كقيمة ومبدأ، تنافس في العنف والترهيب. المدنية هي ثقافة وسلوك ينتظم الناس وفقها بأسلوب حضاري في التعايش، فاهتدوا إلى+ قوانين تنظم العلاقات وحسم الخلافات وتعارض المصالح بين الافراد والجماعات دون عداء وعنف. فلا يعقل ان يكون وطن مشترك بين أعداء، سيكون جحيم من الصراعات والحروب والموت، وهذا هو واقعنا اليوم، الخروج منه هي المدنية كفكر ينبذ العدوان، مهما كانت حدة الصراعات، القانون والنظام هو الحاسم. العنف يفرض كيانات مسلحة وجماعات باغية، ويجعلها تعمل لصالح الساسة و القادة الذين يتحولون لزعماء عصابات وقتل وموت، لتظل الخصومة السياسية حاضرة في المناوشات بحدة والعنف والقتل، في محاولة غبية لمحاربة التعدد السياسي والفكري، ليتاح المجال لاصطفاف مناطقي طائفي جهوي مدمر، ليكن وطن مريض تقتله الخصومة فيه الناس فرقاء، الحياة فيه ترتكز على تصفية واجتثاث الآخر في سياسة قذرة، لا حقوق فيها ولا واجبات. هذا ما حدث في الماضي وسبب كل هذه الكوارث وتراكماتها التي نجترها اليوم، ونعاني من تبعاتها، وللأسف البعض يسير على نفس المنحى بالحرف والمعنى، متجاوزا بعنجهية دروس وعبر الماضي، سائرا على خطى أسلافه من البغاء والمستبدين، بل مستندا على أدواتهم القذرة وسياستهم المدمرة. ما أشبه اليوم بالبارحة، والفرق ان مستبد البارحة، استخدم الدولة ومؤسساتها في ارهابه واستبداده بخبث، تلاميذه اليوم أغبياء، يتمنون ان يكونوا ورثته في الجنوب والشمال بهد الدولة ومؤسساتها على رؤوس الجميع،فتنهد على رؤوسهم قبل رؤوس خصومهم. هكذا عمل المستبد عندما اجتاح عدن، شكل له نقابات، إغراء الكوادر والمؤثرين السياسيين والحزبيين المثقفين والأكاديميين، وجعلهم تحت طاعته، وأعتقد أنه نجا وامتلك البلد، واستمر بظلمه وطغيانه وتصفية خصومة، حتى انقلب السحر على الساحر. واليوم نشاهد الصورة تتكرر، النقابات تصنع بأيدي سياسية، وخصومة فاجرة لتخدم المستبد الجديد، طبعا بشعارات وطنية، ضرورة السيناريو والفلم الذي يستميل فيه الباطل الحق، وتقدم اليوم الإغراءات للناس من لم يخضع ويستسلم يتم تصفيته، والوطن يذهب للجحيم والمواطن يعتصر في وسط هذه المعمعة القذرة من العلاقات والانانية في الصراع من اجل السلطة والثروة. الصورة تتضح بكل تجلياتها، الناس تشاهد وتحلل بفطنة وعقل وعلم، ولا يبقى غير الاغبياء والانانيين واصحاب المصالح يسيرون على ركب المستبد السياسي بخدمة مستبد ديني، باسم الله أو اسم الوطن، والله والوطن بريء منهم ليوم الدين.
أحمد ناصر حميدان
معمعة العنف 1176