كنت أظن أن إخوتنا من أنصار الحوثي قد تعلموا -من وجودهم في السّلطة- شيئاً من دروس الحياة، وبدأوا يفكرون في الخروج من النظريات المُحنّطة التي أنتجها الصراع التاريخي، وأضفى عليها التعصب الفئوي مسحة دينية لتمريرها في ثقافة المجتمع وفرضها على حياتهم كقدر إلهي لا فكاك منه؛ بَيْــد أن كلمة الأخ عبد الملك الحوثي منذ يومين عن «الولاية» كان صدمة بالنسبة إليّ؛ لأنني لم أكن أتوقع أنه -وهو رأس الجماعة- لا يزال جامداً بذلك الشكل على مقولات «أخيه حسين»؛ حتى إنه لم يزد في خطابه على تلخيص الأفكار التي أوردها الأخ حسن في ملزمته عن الولاية!!
نعــم.. قد تكون فكرة «الولاية» في هذا العصر فكرة سخيفة وغير قابلة للحياة، ولا ينبغي إهدار الوقت والجهد في الحديث عنها، خصوصاً بالمفهوم الذي قدّمه الحوثي ويروّج له أنصاره، ولكنها لا تزال -بإيحائها الديني ونَفَسها العُصبوي- أداة للتأثير في بلادنا ورافداً في من روافد منظُومة دَجَل الدّين السياسي، الذي من حقنا أن ننقده كما يرون أن من حقهم الحديث عنه.
لذلك نحن مضطرون لمناقشة فكرة «الولاية» لنحمي ما يمكن حمايته من رُشد المجتمع، الذي بات فريقٌ منه -للأسف- يقاتل شركاءه في الحياة وإخوته في الوطن لتحقيق كهنوت الدين السياسي باسم ولاية الله والنبي وأهل البيت!
سنفرق في بحثنا هذا بين «الولاية» بمفهومها الاجتماعي الذي ورد في القرآن، و«الولاية» التي تعني فرض الطاعة والانقياد لفئة من الناس وتمكينهم من الهيمنة على العالمين على أساس سلالي عنصري بغيض. وسنحرض على مناقشتها في مبحثين:
أحدهما: الولاية التي يُقصد بها «ولاية الإمام علي بن أبي طالب» كقضية تاريخية شهدت جدلاً واسعاً وقُتِلت بحثاً على مَرّ التاريخ الإسلامي.. وهي في الحقيقة لا تعني لحياتنا العملية اليوم شيئاً، فللسابقين نمط حياتهم في الحكم ولنا نمط حياتنا، ولسنا مُلزمين بشي مما قالوا وفعلوا، ولكننا قد نضطر للخوض في جوانب منها، لاسيما تلك التي لا تزال تُشكل منصّة للتَّغرير والتَّلبيس، وتشغل مساحة من وجدان وعواطف فريق من المسلمين.
ثانيهما: الولاية التي روّج لها الأخ حسين الحوثي، ومهّد لها بـفكرة «العَلَمية» ودعوى «الاصطفاء» ومزاعم «الاقتران ووِرَاثة الكتاب واحتكار الهداية»، وهي التي نجد أنصار الحوثي اليوم يفرضونها كثقافة مصيريّة على مجتمعنا اليمني، مستغلين ما بأيديهم من سُلطة البلاد، وما يهيمنون عليه من أموال الدولة وإمكاناتها، خصوصاً مع انخفاض الأصوات التنويرية في الداخل نتيجة القمع #باسم_العدوان، وإرهاب المخالفين بتهمة النّفاق والارتزاق، وتسليط الغوغاء على كلّ حُرّ شريف.
ولكي يكون النقاش ذا جدوى، لابد أن يكون موضوعياً ومنصفاً يستهدف الفكرة ذاتها، ويقوم على البراهين الواضحة ويستخدم الأدلة الدينية حسب القواعد والمناهج النّاظمة لها، وأن يكون بعيداً عن مجرد اللجاج المذهبي والاستغلال الحزبي، ولا يفرق بين صنمية وصنمّية، ولا يستهدف خرافة ليحمي أخرى.