انتهت إجازة عيد الأضحى وكانت قصيرة وملأى بالأنشطة العيدية المختلفة من زيارات للأقارب والأصدقاء، ومن لقاءات وذهاب إلى المتنزهات. ومع انتهاء هذه الإجازة تبدأ الإجازة الطويلة التي لا يملؤها شيء خارج الكسل والنوم، خصوصاً لموظفي القطاع العام في الأقطار العربية، ذات الكثافة السكانية والإمكانات المحدودة وغياب التنظيم. وليست المرة الأولى التي أتناول فيها هذا الموضوع، وعلى الأصح هذه «الظاهرة» المرتبطة بالتوسع في التوظيف، ومحاولة التخفيف من نسبة البطالة السافرة بما يسمى بالبطالة المقنعة، وهي ظاهرة لا وجود لها إلاّ في الوطن العربي، وفي بعض الأقطار الإسلامية، حيث فقدان النظام والعشوائية في التوظيف. إنها إجازة طويلة كما أسلفت القول، ولا يخفف من مللها وسأم أيامها، سوى النوم في المنازل أو المكاتب الحكومية حيث لا عمل يذكر، ولا أنشطة تجعل الموظف «المنكوت» يفرغ فيها بعض طاقته. وما من شك في أن هذه «الظاهرة» تصدمنا وتجعلنا نتوقف محتارين بعد إجازة كل عيد، لنتساءل عن الأسباب التي صنعت هذا الواقع، وهذا الجيش من العاطلين، وكان في الإمكان الاستفادة منهم في مرافق الإسكان والزراعة والصيد البحري، لا سيما في الأقطار التي يحيط بها البحر من أكثر من جهة. ولا يوجد نظام في أي مكان من العالم، يشجع على اتساع دائرة البطالة والصمت على أخطارها، وما يترتب عليها من استمرار خطر التخلف، وما يرافقه من ظواهر مدمّره على أكثر من صعيد. وبالمناسبة فقد كنت ذات صيف في سويسرا؛ البلد الصغير والغني، ولم تذهلني المدن الكبيرة وما يتوفر فيها من معالم التطور والارتقاء، بفضل ما يبذله أبناؤها من جهود وما يبذلونه من عرق، ووددت أن أتعرف إلى أحواله الريفية، وكيف تعيش القرية السويسرية، وكانت المفاجأة أن أراها لا تختلف عن حال المدن، لا مما يتوفر لها من وسائل التمدين فقط؛ وإنما بما تبذله من احترام العمل وإخلاص لمقتضياته. كانت القرية تستيقظ في السادسة صباحاً، وتنام في التاسعة مساء، ولا مكان للراحة والاسترخاء سوى في الإجازة الأسبوعية وفي ساعات المساء الأولى، بعد أن يعود أبناؤها من مناطق العمل القريبة أو البعيدة. وحين صحوت من النوم في الساعة السابعة صباحاً، أدهشني هدوء هذه القرية وخلوّها من شبابها وشاباتها ومن رجالها، فقد حملتهم وسائل المواصلات إلى المصانع القريبة من المدينة ذاتها، وما ينتظرهم هناك من أعمال، وكانوا يدركون جيداً ما يترتب عليهم من أعمال. وهنا أدركت حقيقة الرفاه الذي يتمتع به هذا البلد الأوروبي، وأنه يعيش على جهود أبنائه وكل أبنائه الذين يرفضون الاستسلام للتواكل والكسل، ويشعرون بمسؤولياتهم تجاه الوطن الذي يضمن لهم الأمان من الفاقة، ويرتقي بهم ويجعلهم يشعرون أنهم ينتمون إلى بلد ناهض ومتحضر. هذا نموذج من بلد كانت تصوراتي أن أبناءه يعيشون حالة من اللهو والرفاه، مكتفين بما تدره على بلدهم أرباح ودائع أصحاب البليونات، وما يكسبه هذا البلد الجميل في السياحة، ولكن ثبت لي عملياً أن شعب هذا البلد الذي يصنع اسم سويسرا، يوفر لها المقومات الضرورية لأسس التطور والنماء.
د. عبدالعزيز المقالح
والآن تبدأ الإجازة الطويلة 975