كان الأدب العربي وما زال منذ زمن الوقوف على الطلل، يشكل سجل العرب. سجل أحداثهم بحلوها ومرها، وقائعهم بهزائمها وانتصاراتها، مشاعرهم بأحزانها وأفراحها، روح العربي بكبريائه وعنفوانه وطبيعته النفسية وغرائزه البدوية. وحتى الآن الأدب سجل العرب بغض النظر عن جنس الأدب الذي سطر به الأديب تضاريس واقعه مع تنوع وتعدد أبواب الكتابة العصرية . ومن ضمن هذه الأساليب العمل الروائي؛ ورغم أنه ظهر حديثاً إلا أنه أصبح الأبرزِ وفق اللحظة وعشق القارئ. مع الأحداث الدامية التي تشهدها الساحة العربية في ظل استبداد أنظمة سياسية قمعية ومؤسسات دينية منغلقة، وحروب فتحت أبوابها على اتساع القبح فيها؛ نجد أن أدب الرواية خاض في هذه الصراعات وجسدها، حيث أصبحت الرواية عبارة عن توثيق ورصد للواقع يستمد الكاتب مادته وشخوصه ولغته من واقعه بتفاعل كبير لا يمكن أن ينفصل عنه. لقد هجر الأدباء واحات خيالهم وجداول بوحهم بعد أن تصدعت قلوبهم حزنا وفطرت أقلامهم وجعاً فخاضوا في واقع الدم بحبرهم ودموعهم . الرواية التي كان هدفها المتعة القائمة على الفائدة والقيمة الفنية والجمالية للعمل الإبداعي حين كان يسطرها الكاتب بمتعة الكتابة ولذتها صارت تكتب بعمق الألم وقسوته لإحساس الكاتب بمعاناة أبناء وطنه في ظل حروب وإرهاب دموي، وانتهاك يومي لحقوق الإنسان العربي، لقد تلاشت هذه المتعة المنشودة والكاتب يوغل في أوصاف الخراب والقتل والدم و الألم رغما عنه. إن الروائي وهو يشهد مأساة الإنسان العربي في زمن النزاعات المسلحة في الدول التي تعاني إبادة وخراباً شاملاً، وتشردا لأبنائها وتفكيكاً لنسيجها الاجتماعي، لا يسعه إلا أن يسطر ملامح هذه المعاناة و قسوة أحداثها كتخليد للحظة بريشة فنان يحترق ألماً، طمعاً في توجيه الرأي العام نحو احترام قيمة الإنسان و كذلك نقل هذه الماسي للأجيال القادمة بنزاهة قلم وحس أديب مرهف. لربما كانت إبداعات أدب الرواية تجد لها طريقا في تغيير سلوك الإنسان واحترامه لإنسانية غيره بدرجة لم تصل إليها طرق البشر الأخرى في التوجيه. وبرغم قسوة وعنف الأحداث التي يشهدها الوطن العربي يجب أن تبقى رسالة الأديب قائمة على غرس الأمل في مستقبل أفضل وتعريف الأجيال بقيمة الإنسان الذي هو أسمى من أي قيمة أخرى، على الأديب بثّ روح المحبة بين فئات المجتمع بكل طوائفه التي أوجدتها مؤسساته الدينية المغرقة في التشظي والاختلاف . الكتابة الأدبية رسالة إنسانية سامية تقوم بتخليد الأحداث بحيادية للتاريخ بقالب القصة الشيق الذي لا يمل. على الكاتب الروائي ألا يحصر قدرته الإبداعية في صوغ فكرته المتحيزة نحو توجه ما، بل هي رسالة إنسانية شاملة يضعها كثمرة ناضجة بين يدي القراء .
فكرية شحرة
الكتابة في لحظة الدم 947