في بلدي جروح غائرة مازالت تنزف بغزارة حتى اليوم، ومنها عدن، عدن بصفتها عاصمة مؤقتة للدولة المنشودة، لأهميتها في المعركة المصيرية يفترض أن تكون في أحسن حال، في المعركة الاقتصادية يفترض أن تكون مركزاً اقتصادياً وتجارياً هاماً، رافداً لخزينة الدولة وتحصيل مواردها وتنميتها. وفي الجانب العسكري تدار منها المعارك في الساحل الغربي وغيرها من الجبهات المحاذية لعدن، عدن مركز الدولة وإدارة شئون البلد فيها تتواجد السلطة الشرعية والحكومة والبنك المركزي والسلطة القضائية، كل هذا وعدن تئن وتتألم، لا دولة فيها، ولا معارضة يمكن الرهان عليها.. عدن.. ثكنات ومناكفات وهزل وانتهاكات، كل ذلك أفقد عدن وجود شكل من أشكال الدولة، أفقد عدن النظام والقانون لضبط إيقاع الحياة فيها، واستتباب الأمن والأمان فيها، في عدن الناس تبحث عن الدولة ولا تجدها، تجد عبثاً وجماعات مسلحة تقطع الطريق وتهدد سلمها الاجتماعي، وتعيق خدماتها، وتعم الفوضى التي تعكر استتباب الأمن فيها، جماعات تصف أنها قبلية، قادمة من طوق عدن القبلي، تدعي أن لها حقوقاً، المطالبة بتنفيذ النظام والقانون في جريمة قتل أحد أبنائها، والكل في عدن يطالب بتنفيذ النظام والقانون ليس بحق ذلك القتيل فقط، ولكن بكل الجرائم التي نفذت بعدن، وعلى رأسها جريمة اغتيال الشهيد المحافظ/ جعفر محمد سعد، وأئمة وخطباء المساجد، ورجال الأمن والمقاومة الشعبية، وبعض المجرمين المقبوض عليهم، وهذا السكوت المخزي عن ذلك. الغريب في الأمر، أن هذه الجماعات تستخدم مدرعات وأطقم عسكرية وأسلحة ثقيلة وخفيفة، لترويع المواطنين وتعكير صفو حياتهم وقطع طريق عبورهم للمستشفيات وأعمالهم وتحركاتهم، مدرعات وأطقم هي نفس نوع ما تمتلكه قوات تحالف استعادة الشرعية، ومن المفارقات أن والد القتيل في غياهب سجون تلك القوات، ولم نسمع المحتجين بالمطالبة بالإفراج عنه، مما يعني أن هذه الاحتجاجات تستهدف استقرار عدن. وعلى الشرعية أن تدرك أنها معنية بتطبيق النظام والقانون، وأنها محاسبة أمام أي خرق قانوني يعيق دور القضاء والنيابة والعدالة، وأن قراراتها وتوجيهاتها مرصودة ويتربص بها المعيقون، لخلق مثل هكذا فوضى بحق يراد به باطل. الدولة وحكومتها هي المعنية بتنفيذ النظام والقانون، معنية بأدواتها الأمنية، والنيابة والقضاء، واستقلالهما، وعدم تدخل في شئونهما، وعدم ممارسة الضغط السلطوي أو القبلي أو حتى السياسي في أحكامهما، هذا التدخل يعتبر سافراً ولا يعبّر غير عن فساد سياسي وقيمي وأخلاقي وابتزاز لانتزاع قرارات غير عادلة وغير منصفة وغير حقة. بصراحة القول تعبنا في عدن، وهددت حياتنا من هذه الأطقم المنفلتة، التي لا تحتكم لا لدولة ولا لمؤسسة، بل يمكن أن تكون كارثة في تهور ما يحدث ويفجر موقف يشعل حرب تكون عدن ساحتها والموطن ضحيتها، بينما هم،أسرهم أموالهم مساكنهم في مأمن بعيدا عن عدن التي يعبثون بها. كانوا قد وعدونا بعدن بإخراج المعسكرات للضواحي، وعود لم تر النور، بل لازالت المعسكرات والثكنات العسكرية في قلب عدن، وقادة يعبثون بحقوق الناس، شكوى مواطنين كريتر من معسكر 20 في قلب المدينة والبسط على الأراضي فيه، و وصلت شكوى المواطنين لابتزازهم في حقوقهم وممتلكاتهم، في غياب للنظام والقانون الذي يضمن حقوق الناس ويحفظها، ولا ننسى فتوى التكفير والإلحاد الذي راح ضحيتها ناشطين شباب لاستنارة عقولهم ورفضهم الغلو والتطرف بجرائم لن تفلت بالتقادم. الشرعية هنا هي المسئولة عن ما يحدث لعدن، ونطالبها بوقف هكذا مهازل وتنفيذ النظام والقانون بقضاء مستقل بعيدا عن التدخلات والضغوطات التي تمارس في تنفيذه، لتنفيذ العدالة الاجتماعية وإنصاف الضحايا ومحاسبة المجرمين واللصوص والفاسدين والباسطين على الأراضي وحقوق الناس، لتكون منطلق للدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة.
أحمد ناصر حميدان
الشرعية والعبث بعدن 1342