في كل مسارات النضال والكفاح وحروب التحرير؛ يكتب انتصاراتها أرواح الشهداء ودماء الجرحى وجهد وعرق من رابط في مواقع الشرف والتضحيات ولم يكتب الله لهم الشهادة أوالإصابة. بطولات هؤلاء وأولئك، ودم هؤلاء وأرواح أولئك؛ لم تكتب النصر للوطن والهوية والكرامة فحسب، ولكنها أيضا مهدت الطريق لأشخاص وصلوا من خلالها إلى مراكز ومناصب رفيعة. حين اشتد الكرب، وادلهمّ الخطب تلفت الجميع يتساءل ويتلهف من لهذا المقام؟ من لهذه المواقف؟ من لهذه المواجهات؟ فهب لنداء الواجب أولئك الشهداء وأولئكم الجرحى وهؤلاء المرابطون في ميادين المواجهات وخطوط النار حتى الساعة. هؤلاء الابطال جميعا عندما استنفروا نفروا ملبين، وربما تحسس آخرون رقابهم فقال قائلهم: ولو أنني في السوق أبتاع غيرها وجدّك ما باليت أن أتقدّما حينما تلعثمت الحروف، وارتجفت الكلمات وقت الشدة والمحنة؛ نطقت أسنّة أولئك الأبطال ورماحهم ورصاصاتهم، فبعض المواقف يكون لسان حالها ومقالها : إن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد أرواح أولئك الشهداء ودماء الجرحى، وهؤلاء الذين ما يزالون يحملون أرواحهم على أكفهم في ميادين الشرف والتضحيات؛ هم بعد الله عز وجل من أعادوا للحروف فصاحتها بعد تلعثم، وللكلمات بلاغتها بعد عِي. تمترس وطن خلف هؤلاء الأبطال حين الهول والشدة، وترّس بهم شعب حين المحنة والحرب؛ أفيأتي اليوم ذاك الذي تلعثمت حروفه واختفت مواقفه، يتضجر من جريح إذا أنْ، أو مصاب إذا توجع؟ أو يتأفّف من دمعة طفل لشهيد أو شكوى لأسرته إذا اشتكت؟ الحروف التي تلعثمت بالأمس واختفت، تتشدق اليوم تخشى على رهافة حس هذا الوزير أو ذاك المسؤول من كلمة حق يقولها جريح، وهمسة تقولها أسرة شهيد! عندما يخرج الجريح برجل مبتورة أو يد، أو قعيد على عربة، أو بعين فقدها في المعركة، يطالب ببعض حقه بمعاناة يراها الجميع، أيكون هذا موقف مزايدة ومؤامرة وتسييس!!؟ كما تقول الحروف التي تلعثمت أو اختفت؟ إذا كان خروج الجريح ليطالب بحقه مزايدة ومناكفة - بحسب ما يقوله المتفاصحون - فماذا عن خروجه للجبهات يوم خرج؟ ألم يكن الجميع يرحب بخروجه يومذاك، أم أن ذلك لا يعنيهم اليوم؟
أحمد عبدالملك المقرمي
شهداء وجرحى 1106