قرابة أربع سنوات وأنا أتوقع أن أصحابي وزملائي الإعلاميين والناشطين الحقوقيين اللي هربوا من صنعاء وتعز والحديدة وغيرها إلى خارج اليمن وداخلها يغالطونا. كانت جروبات التواصل الاجتماعي تتحول إلى مناحة؛ اللي يبكي من الإيجارات. اللي يبكي من المصاريف. اللي ضابح من حاله يشتي يرجع قريته ولو "...يسووه الحوثيين شوارما..". لم أكن أدرك حجم الألم الذي ينبعث في قلوب أغلبهم حينما نرسل لهم صور أغصان القات أو مقاطع فيديو من صنعاء واحنا مخزنين في جبل عصر أو الخمسين. في عدن، وخلال نزولي في مهمة عمل خاصة بمنظمة سياج للطفولة التقيت عدداً من الزملاء الإعلاميين والحقوقيين؛ هم في نظر سلطة صنعاء مرتزقة. عملاء. خونة "...يجحفون المال السعودي والإماراتي جحف..". لم أصدق الظروف التي يعيشها كثير منهم. صحيح أن بعض الإعلاميين والناشطين حصلوا على تعيينات وتسويات وضع، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الغالبية وخاصة المهنيين منهم أو المحسوبين على حزب سياسي والذين لا تربطهم علاقات شخصية أو صلات تنظيمية أو قرابة لأحد "هوامير الشرعية". يعيشون ظروفاً بالغة التعقيد تصل حد العجز عن دفع الإيجار، وتوفير المستلزمات الأساسية لأسرته. لا شغل ثابت. لا مخصصات، أو مستحقات محددة لمواجهة أساسيات المعيشة في حدها الأدنى ومتهمون بالارتزاق. وجدت قيادات في الثورة الشبابية السلمية من الصف الأول ممن ناضلوا خلال 2011 وما بعدها دفاعاً عما يعتقدون أنه الصح.. وجدت إعلاميين وحقوقيين حالتهم في "التنك"، تواجههم مشكلات مركبة.. لا قادر يتدبر أموره ولا قادر يرجع بيته أو قريته وأكثرهم أو جميعهم لم تعد لهم ارتباطات عمل في صنعاء أو المحافظات التي كانوا فيها. ملاحقون في صنعاء.. منكوبون في عدن والمحافظات الخاضعة لسلطة الرئيس هادي والحكومة الشرعية، فلا يعاملون حتى كنازحين. وكثير منهم في الخارج ليسوا لاجئين فيتمتعون بحق اللجوء؛ وفي نظر الحوثيين خونة وعملاء، وفي نظر عائلاتهم وأطفالهم عاجزون لأنهم غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من المعيشة. أيش من مرتزقة وأيش من خرط؟ من تسمونهم مرتزقة هم في الحقيقة عالقون أجبرتهم حملات الاعتقال والمصادرات المجنونة من قبل الحوثيين أواخر 2014 وما بعده على الفرار، ففقدوا بيوتهم وأسرهم وأسباب رزقهم. وفي تقديري لو أتيحت لكثير منهم العودة إلى ديارهم وممارسة أعمالهم بسلام سيعودون عند أول فرصة تتاح لهم.
أحمد القرشي
المرتزقة 1008