هو رئيس إشكالي، لم يعد في ذلك أدنى شك، وإشكالياته من المستوى السلبي ولا تقف عند وطنه الكبير بل تتعدى إلى أوطان أخرى.. وفي تقلباته السريعة والمرتجلة ما يخيف ويدعو إلى الحذر. وسبق للولايات المتحدة أن رأت بعض الرؤساء الطامحين والمغامرين وذوي الميول الاستعراضية، لكنها لم تشهد مثل هذا الرئيس المغامر والفريد في استعراضاته وتحدياته وانفعالاته. كان الرؤساء السابقون - مهما شطحت بهم المواقف - يتذكرون أنهم يتحدثون باسم الدولة العظمى وسرعان ما ينصاعون للمواقف الثابتة للمؤسسات، بينما ترامب لا يتحدث إلاَّ باسمه ولا ينصاع لأي نصيحة حتى وإن جاءت من القضاء وهو أعلى سلطة في الولايات المتحدة، وهو بذلك يحاول أن يفرض بقوة سلطته وحدها مواقفه الشخصية وكأنها قوانين لا تحتمل النقد أو النقض، وهو ما خلق حالة من العداء غير المسبوق بين كثير من المؤسسات والبيت الأبيض سواء في الشؤون الداخلية أو الخارجية. وهو - أي الرئيس ترامب- بالإضافة إلى خروجه عن الخط العام لسياسات الدولة الكبرى، فهو رجل إثارة بامتياز يعرف كيف يضع العالم في حالة ترقب، كما يجعل أجزاء من هذا العالم في حالة من احتباس الأنفاس، كما حدث مع كوريا الشمالية التي أعلن عليها الحرب وجمع حولها الأساطيل وحاملات الطائرات. وفجأة وبلا مقدمات كافية للإقناع تحولت الحرب الموعودة إلى تفاهم وحوار ولقاءات سياسية وكأن شيئاً لم يحدث. وكذلك الأمر مع روسيا، حيث تعالى صوت حرب الكلام والدعوة إلى المقاطعة ومحاصرة الاقتصاد الروسي، وفجأة وبلا مقدمات أيضاً يتحول الشد إلى ارتخاء والتهديد إلى أمنيات بعلاقة متينة وتعاون مشترك بين البلدين، وهو الأمر الذي أصاب المراقبين السياسيين في العالم بحالة من الذهول والحيرة، فقد سقطت تكهناتهم قبل أن تكتمل مقوماتها، وهو ما دفع عدداً من السياسيين الأوربيين ومنهم وزير خارجية ألمانيا إلى التحذير من الركون أو الاستقواء بالولايات المتحدة. أما نحن العرب فإن حكايتنا مع هذه الدولة العظمى وقبل ظهور ترامب وبعد ظهوره، أصعب من أن تتحدد معالمها أو يتبين لها موقف إيجابي، فقد وقعت إداراتها المتعاقبة في قبضة اللوبي اليهودي، وذلك اللوبي هو الذي يرسم للبيت الأبيض ولبعض المؤسسات السياسية التي ينبغي أن تكون تجاه الوطن العربي وبقية الدول المنتمية إلى الشرق الأوسط، ومجيء ترامب زاد من نفوذ اللوبي ويكفي دليلاً على ذلك ما حدث بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة من «تل أبيب» إلى القدس وما يمثله هذا الموقف ويعبر عنه من عداء صارخ وتجاوز لكل القوانين واستهانة بالحقوق. وإذا كانت أوروبا لا تتردد في أن تعلن خيبة أملها في حليفها الأكبر فليس أمام العرب سوى الثقة بأنفسهم والبحث عن حلفاء ليس لهم مواقف عدائية ثابتة تجاه قضايانا الكبرى والمصيرية، لكن ومن خلال التجارب والتعاملات التاريخية والآنية سيتم العثور على الحليف الوفي الذي لا يطمع بأكثر من المصالح المشتركة. ومن المحزن أن نرى العالم الآن- كل العالم- يعاني من اضطراب العلاقات ومن فقدان الثقة بالأنظمة الكبرى وبالمؤسسات الدولية التي أنتجتها تلك الأنظمة لحماية مصالحها لا لحماية مصالح المستضعفين منها على وجه الخصوص. ومن الواضح أن العمل على إيجاد حلول ناجعة وسريعة في الإمكان ولا شيء يصعب على القيادات العربية إذا اقتنعت بأن الأوضاع الراهنة سياسياً واقتصادياً تسير من سيء إلى أسوأ ولم تعد تحتمل المزيد.
د. عبدالعزيز المقالح
ترامب وإشكالياته الكونية 933