في ليلة من ليالي عام 2009 كنا في منزل من منازل مدينة شبام حضرموت في ضيافة أحد أعيانها ورجالات المجتمع الشبامي، نستمع منه لعرض تاريخي شيق عن هذه المدينة والمركز التاريخي والتجاري الهام بعد أن أخذَنا في جولة في المدينة عصر ذلك اليوم وزرنا مسجدها التاريخي وطفنا بحاراتها. حدثنا مضيفنا عن الحركة التجارية والأوضاع الاجتماعية فيها سابقاً حديثاً شيقاً لا يمل ليس هذا موطن ذكره، غير أن ما لفت نظري هو سؤالي له عن عدد السكان في أوج تلك الحركة في عهد السلطنة القعيطية قبيل الاستقلال، فأجابني بأن عدد السكان كان يقارب الخمسة عشر ألفاً، وعند سؤالي عن التعداد الآن فكان الجواب الصادم: ألفان من السكان فقط!!لمدينة شبام قصتها مع الحكم الاستبدادي الإقصائي الذي ضيق على الناس معيشتهم وحريتهم ووصل الأمر إلى التحكم في أخص خصوصيات الناس، فاضطر الناس إلى الهجرة فراراً بحريتهم وكرامتهم التي أُهدرت تحت نشوة القوة والانفراد التي أصابت القوم وقتها. ليست شبام وحدها من شهدت هذا التجريف والنزوح، فقد شهدت مناطق في محافظة شبوة وغيرها نزوح قبائل بأسرها تاركين قراهم تصفر فيها الريح وينعق فيها البوم. تركت قبائل عزيزة ديارها ولجأت لمخيمات نزوح في صحاري نجران وليس في خلدهم وقتها أن الوضع في مكان النزوح سيكون أفضل حالاً من بلادهم، فمن يستبدل بالله عليكم منزله بخيمة في صحراء؟!! الحال نفسه كان في مدينة عدن رمز الحضارة والتعايش في الجزيرة العربية فتم التضييق على الحريات وفرض سياسة الإقصاء والتهميش والفصل الوظيفي والتضييق المعيشي وكبت الحريات. فلم يجد أبناء تلك المدينة من الكوادر المؤهلة والمتعلمة من بد الا النزوح والتشتت في دول الجوار وغيرها والتي استقبلتهم ومنحتهم جنسياتها او على الأقل احتفت بهم واحتضنتهم واستفادت من خبراتهم. نعيش هذه الأيام في عدن حالاً لا تختلف عن حال عدن في تلك الفترة فبدأت عدن تضيق بأهلها تحت نفس السلوك الإقصائي الاستبدادي، وتحت نفس الارتهان للخارج الذي يأمر وينهى ولا يملك الطرف الذي يمتلك القوة المسلحة الا التنفيذ والسمع والطاعة. بدأت أطياف من الناس اليوم تحزم حقائبها وترتب أوضاعها خارج البلاد بعد أن ضاقت عليهم الأرض وسفكت دماؤهم وانتهكت حقوقهم وحرياتهم. يشعرون بالغربة في مسقط رأسهم الذي درجوا فيه وهم يرون الناس تساق للمعتقلات دون أي ذنب ثم يطلق سراحهم بعد فترات طويلة دون أي اعتذار.!! بل ويشاهدون ويسمعون الأدوات الإعلامية الرخيصة تتعرض لهم بالتشويه وتلفق ضدهم كل قبيح ولا من مستنكر ولا من نصير..!! بدأت عدن تفرغ من القيادات السياسية والدينية ورجال المقاومة والحبل على الجرار لن يقبل الإقصائيون إلا ببقائهم منفردين إلى أن يصلوا لمرحلة تصفية جميع المخالفين، وعندها سيتقاتلون فيما بينهم لأن الإقصاء لا يولد الا إقصاء والصراعات التي لا تنتهي. رحمة الله على الإمام البيحاني الذي تنبأ بزوال هذا الاستبداد والإقصاء والتضييق فهل من معتبر أو متعظ من التاريخ القريب؟!!! وهل ستعود أيام تخلَّت؟ ويا لله أيام خوالي نعم ستعود والدنيا بخيرٍ وأمرك نافذ يا ذا الجلال وشأن الخير أن يبقى دواماً وأما الشر فهو إلى الزوال
علي سعيد الأحمدي
لعمرك قد ضاقت بلادٌ بأهلها !! 1090