ستظل تعز العمق الوطني والبوصلة التي لا تخطئ وقبلة الوطنين الشرفاء لكل أبناء اليمن، فهي رمز المدنية وموطن الثورة وقلعة الجمهورية وحصنها المنيع، منبع الثوار والأحرار، وهي المعسكر الجمهوري العتيد.
عندما يتوه الناس وتتخبط بهم السبل، والوطن تتجاذبه المشاريع الخاصة والصغيرة، تكون تعز هي البوصلة الوطنية التي لا تخطئ، ولأنها تتوسط شمال الوطن وجنوبه..ستظل عمق اليمن وقلبه النابض بما تقدمه من تضحيات جسيمة ونضالات كبيرة تتجاوز كل الحسابات السياسية الضيقة وتتخطى حدود الجغرافيا والمناطق والطوائف والجهات، فهي الفضاء الوطني الرحب الحامل والضامن للمشروع الوطني الوحدوي الكبير.
هكذا هو قدر تعز ودورها الريادي في كل المراحل والمنعطفات التاريخية، وفي القضايا الوطنية العامة والمصيرية، إن ما يجعلها حاملة الهم الوطني أنها كانت وستظل مدينة كل اليمنيين من خلال التواجد والتداخل الكبير لأبنائها في الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب وليس الانتماء الحزبي الضيق أو المناطقي المقيت ..
إنها مدينة المقاومة الشعبية الباسلة في وجه الطوفان المليشاوي المدجج بسلاح الدولة المنهوب الذي كان يجتاح به المدن والمحافظات ويسقطها الواحدة تلو الأخرى، ففي لحظات الانكسار الرسمي والشعبي الكبير أمام اجتياح المليشيا وقفت تعز بمقاومتها الأسطورية سدا منيعا واستماتت دفاعا عن الثورة والجمهورية والهوية الوطنية الجامعة،وتحولت الى مقبرة لمليشيا الانقلابيين، وهاهم أبناؤها يناضلون على مستوى كل الجبهات في جبهة نهم صنعاء الى صرواح والبيضاء وفي جبهات الجوف والبقع وجبهات صعدة وميدي وجبهة الساحل الغربي وجبهات تعز ؛ يخوضون المعارك الوطنية المقدسة دفاعا عن الوطن والقيم والهوية، ويقدمون التضحيات الجسام دفاعا عن الدولة والثورة والجمهورية ويضطلعون بهذا الدور الوطني الريادي والتاريخي الكبير جنبا إلى جنب مع كل الشرفاء من أبناء الوطن في هذه المرحلة التاريخية والعصيبة والبالغة الخطورة من حياة شعبنا اليمني.
ستظل تعز ذلك الفضاء الوطني الرحب الحامل والحامي لمشروع الثورة والدولة والوحدة، وبالمجمل، تعز كدور، ليست منطقة أو جهة، وبالتالي ليست ولا يمكنها أن تكون جزءا من أي مشروع سياسي خاص، لهذه الجهة أو المنطقة أو تلك.
لأن أبناءها ببساطة في كل المناطق والجهات والمحافظات أطباء ومدرسون واكاديميون وصحافيون ومهندسون وحرفيون وعمال وفي كل الجبهات ضباط وجنود مقاتلون في خندق الجمهورية والشرعية، ولذا فهي تدور مع الوطن الكبير حيث دار وتصحح مساراته حيث تاه، هكذا هي تعز جزء مهم في الكل لا يمكنها أن تكون إلا مع الوطن أرضا وإنسانا وهوية.
وعلى أصحاب المشاريع السياسية الخاصة، والصغيرة أن يدركوا هذا جيدا، وأن يزنوه في ميزان الانتماء الحقيقي للوطن وأننا حين نقول ذلك نقوله دون أي تحيز، إذ الأمر يتعلق بما يمكن اعتباره د قدر تعز فحسب وهو قدر يفرضه ويحتمه وضعها الخاص، كنقطة تعامد وسطى بين الجغرافيا والتاريخ والانتماء.
تعز التي امتزجت بالأرض والإنسان على امتداد جغرافيا اليمن، ففي مراحل الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر قدمت تضحيات، وفي كسر حصار السبعين يوما الذي كاد أن يسقط الجمهورية في سنواتها الأولى عام67م ويعيد الملكيين كانت تعز حاضرة وبقوة مع شرفاء الوطن في متارس الدفاع عن الثورة ولولا تلك التضحيات العظيمة لاستحكم الحصار وسحق معسكر الجمهوريين وقضي على أحلام اليمنيين.
لقد شكل نظام المخلوع صالح الـ33 سنة الماضية خيانة للثورة والجمهورية وشكل في المقابل العصر الذهبي للهاشمية السياسية الإمامية، حتى توغلت في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية ووصلت إلى هرم صناعة القرار نتيجة خيانة صالح فكانت الدولة العميقة، التي مهدت لعودة الإمامة، لقد عملوا معا على إفراغ الثورة والجمهورية من مضامينها ومدلولاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحرفوا الثورة والجمهورية عن مسارها، وتم تغييب الدولة وتشويه مؤسساتها الوطنية لصالح مراكز قوى ونفوذ استأثرت بالسلطة والثرة والقوة بعد تصفيتها لمؤسستي الجيش والأمن وتشكلت على أنقاضها وحدات عسكرية غير وطنية وتدين بالولاء للأفراد والأسر والسلالة ..منها مايسمي
(حرس جمهوري وقوات خاصة وحرس خاص وأجهزة أمنية مختلفة).. وأوصلوا البلد إلى مستنقع الفقر والجهل والمرض وأوصلوا الشعب إلى نفق مظلم ومسدود.
الأمر الذي حتم على الشعب القيام بالثورة الشبابية الشعبية السلمية في 11فبراير 2011م والتي قدمت فيها تعز تضحيات عظيمة من خيرة أبناءها وكان الوطن على موعد لإنجاز مشروعه الكبير نحو التحول السياسي والديمقراطي وفقا لمخرجات الحوار الوطني والمرجعيات الإقليمية والدولية، لكن قوى الثورة المضادة التي قادت تحالف الشر الانقلابي المليشاوي بقيادة صالح والحوثيين وبدعم إيران انتهى إلى انقلاب فاشي في 21 سبتمبر وخطف الدولة واغرق البلد في بحر من الدماء وركام هائل من الخراب، وهاهي تعز العظيمة كعادتها تنحاز إلى الشعب والى الوطن وتناضل وتقاوم الانقلاب ومشروعه الإمامي الفارسي الكهنوتي وتقدم التضحيات الجسيمة
في سبيل استعادة الدولة والثورة والجمهورية، وتنتصر للإنسان والهوية الوطنية ولقيم الحرية والمواطنة والعدالة والكرامة وهي تسمو على جراحاتها وأوجاعها ومعاناتها لأنها تدرك مسؤولياتها الوطنية والتاريخية تجاه الوطن .. هكذا هي تعز ولن تكون إلا كذلك.