لا نجانب الصواب إذا قلنا بأن تعز قلب اليمن النابض ووريدها وشريانها وأنها الدينمو المحرك لعجلة الحياة اليمنية بكل تنوعاتها..
إذا جلت بنظرك في كافة الأعمال والمهن والحرف التي يمارسها اليمنيون في مختلف مناطق اليمن وأرهفت السمع جيدا ستجد هناك التعزي البسيط المسالم بلهجته المميزة الباحث عن لقمة العيش الكريمة يمارس ويتقن كل الأعمال والمهن سهلة كانت أم صعبة الأمر سيان بالنسبة إليه.
أكثر من خمسين عاماً والتعزي يمثل عماد المجتمع اليمني ومحركاً لعجلة البناء والنماء والتطور وإنعاش الاقتصاد الوطني عاملاً وتاجراً ومقاولاً ومستثمراً وصانعاً وأديباً ومثقفاً وفي نفس الوقت، كانوا أساس الدولة وعمادها كموظفين إداريين وسياسيين..
نعم فقد انتشر التعزيون في كل مناطق اليمن ومارسوا كافة المهن والحرف والأعمال في وقت كان البعض يحتقرون كثيراً من المهن والحرف ويرون أن العمل في الزراعة والتجارية عيبا أسود ويعلون من ثقافة التقطعات والاختطاف ونهب المال العام.
ورغم كل ما تعرضت له تعز من استغلال وتهميش وتجهيل وتجاهل متعمد لشرفائها وتجريف لقيمها النبيلة فلم يبق بيت في اليمن إلا ووصله الضوء القادم من تعزي واستفاد بشكل أو بآخر من التعزي كعامل أو فلاح أو معلم أو متعلم أو داعية أو حزبي أو مثقف أو طبيب أو مهندس أو تاجر أو مستثمر أو فني أو حرفي أو إداري في مؤسسة عامة أو خاصة حتى قيل (إقلب حجرا تجد تعزيا)..
والتعزي كغيرة من أبناء بعض المحافظات التي تخلت عن القبيلة والتعصب العشائري والمناطقي، خاضع للقانون مسالم بطبعة يعشق العلم والعمل ويكره السلاح والتعصب ويستهجن القتل والثأر ومن شدة خضوعه، ظنوا أنه خانع مستسلم وجبان حتى قال أحد زبانية النظام السابق، مستهينا، مستهترا نه سيجمعهم بطقم أو سيسوقهم بعصا..
والتعزي بطبعه يحب السلام ويكره الحرب وعندما فرضت عليه ترك القلم والطبشور والسماعة والمسطرة والمطرقة والمنجل وخاضها بكل شرائحه وفئاته وأحزابه بشجاعة وبسالة وصبر وصمد صمود الجبال أمام عنف وجبروت جحافل الانقلابيين وآلياتهم الفتاكة وبسلاحه الشخصي.
ورغم تدفق الحشود واستمرار الحصار وشحة الإمكانيات وغياب الخبرة القتالية لدى التعزي إلا أنه أذاق العدو مرارة الهزيمة ومرغ أنفه في التراب وعجزت أمام صموده الأسطوري كل التشكيلات العسكرية والسلالية المدربة تدريبا احترافيا والمسلحة تسليحا نوعيا فقد باءت كل محاولاتهم الرامية لاقتحام المدينة وكسر شوكة مقاومتها بالفشل وبعد كل محاولة كانوا يتركون جثث قتلاهم طعاما للكلاب..
من أجل ذلك قدمت تعز وخلال ثلاث سنوات من الحصار والمواجهات والقصف أكثر من أربعة آلاف شهيد وعشرين ألف جريح ومئات الآلاف من النازحين فهل يدرك الإنقلابيون أن تعز لن تنكسر وأنها في نهاية المطاف ستنتصر لكل اليمن كعادتها.