(1) تعز هي مدينة الثقافة، ومعقل للمثقفين، ومنبع للأحزاب والمتحزبين، ولأنها كذلك فإن ثورات ثقافية وسياسية عارمة تنتابها في كل حين ووقت، ثورات تصنع من كل حادث حديث يناسبه ويرافقه ويزفّه، طبعا حديثنا عن تلك الثورات التي تقوم ولا تقعد على مستوى منصات التواصل الاجتماعي الالكتروني، لتوديع مسؤول قديم أو لاستقبال آخر جديد، لسياسة خاطئة فتذم أم صحيحة فتمدح يقوم أبناؤها المثقفون بحملة كثيفة ثقيلة وشاملة كالطوفان الإعلامي بما يشبه حالة و(فار التنور) أيام نوح عليه السلام، ثورات تنانير الواتسات والفيسبوكات والتويترات والتليجرامات ليقف القارئ المتابع على صحوة عالية المستوى موجَّهة، فيها حَمْلة تنبش وتدبش كل شيء أمامها كموج البحر الهائج.
(2) هكذا ليبدأ النبش على موقفين ورأيين مختلفين في قضية واحدة، يحمل من الاختلافات من كل زوجين اثنين، وما الله به عليم، حتى لكأنها مواقع للتناصل وليس للتواصل، ويومئذ لا عاصم للشخص المَعْنِي بالنبش من أمر الأقلام والقراطيس والشاشات والأنامل والصفحات والهاشتاجات، فلا بحر يعصمه، ولا جو، ولا بر، ولا رطب، ولا يابس، ولا وادي، ولا جبل إلى أن يخلص المثقفين المفسبكين إلى تقارب وتماثل في النبش والرأي واضح ومقبول، حتى يرسو نبشهم على طريق وهدف، أيا كان طريقه وغايته،،
(3) ثقافة تعز تنبش كل شيء لأنها لاقت من العذاب الأليم الذي لم يتعذبه أحد غيرها في عقود عفاشية ثلاثة، وازدادوا سبعا، هي السبع السنوات العجاف، وبالأخص منها هذه الثلاث الأخيرات، سنوات الإنقلاب على الشرعية وغزو الحوافيش البغاة لتعز، ولأنها أيضا مدينة مظلومة ومكلومة، ومحافظة مقهورة ومفزوعة من هول ما تتلقى من فساد تحالف يأجوج ومأجوج في الداخل والخارج، وما ترتب عليه من نكران وخذلان الأصدقاء في الدولة الشرعية وجعل تعز حقل التجارب ومثلث المقايضة ومحبس التحكم في الصغطين السياسي العالي والواطي، وجغرافية لعمليات حربية استنزافية مفتوحة وقودها الرجال والشباب والإمكانات المادية والمعنوية.
(4) فكيف بالنبش في هجمات ونكبات الأعداء في الحكومة الإنقلابية التي ليس لها نظير في التاريخ التعزي القديم والوسيط والحديث، لذلك ما يشنه مثقفوها الأحرار من حملات ثقافية فكرية على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي في دراسة أي ترتيب حكومي جديد، تموضع شرعي وظيفي، أي أحداث إرهابية تقوم بها عصابات خاطئة فهي تقع تحت طائلة نبش المثقفين وشفراتهم الحادة، وتلك الأحداث هي موجبة لأي نبش يترتب عليها، فتعز عندما تفعل ذلك إنما هي في -تقديري- مجبورة ومعذورة، ويجب أن تعذر لأنها أصبحت شديدة الحذر واليقظة والجاهزية وإن على المستوى النظري اللفظي الإعلامي! فضلا عن شراسة قتالها وبسالة مقاومتها المتزامنة زمانا ومكانا وحالا
(5) فلا غرابة ولا عجب أن مثقفينا في تعز قد وعَوا الدّرس بامتياز، ويظهر ذلك في كل مرة على منابر صحافتهم ومواقعهم المتنوعة الخاصة والعامة الثابتة والمتحركة، فأصبحت تعز بمثقفيها وكأنهم جميعا مكينة جهاز مركزي للرقابة والمراقبة والمحاسبة والتفتيش والاحتساب الشامل والمتابعة الدقيقة، بل وكأنهم قاعة معمل اختبار وتشريح(للخيبة والمليح)، ومكان لإجراء التجارب، ومختبر للفحوصات والتحاليل، وللكشف والتشخيص الدقيق والعميق، حتى كانت ظاهرة تلك الهبِّات الالكترونية التي تنبش في الأحوال المدنية والعسكرية والسياسية الرسمية والشعبية والحزبية والأشخاص والموضوعات والمضامين بلا قيود ولا حدود، وبلا رحمة ولا شفقة
(6) خلفية هذا كله أن محافظة تعز هي مهبط التحزّب، وعاصمتها المدينة كعبة الأحزاب، وريفها ومديرياتها صحن طوافهمرالدوّار، تعز هي بيت الأحزاب العريقة الأصيلة، بل هي منبع العمل الحزبي الذي أذاب بسخونته وشائج العمل القَبْيَلِي وقطّع أوصاله إلى حد كبير، فلم تعد القبيلة فيها تعمل عملها كقبائل الهضبة مثلا، إنما تعز صارت جهة واحدة هي تعز، تتكون من أحزاب سياسية يمينية ويسارية ووسطيّة بديلة عن القبائل والقبْيَلة، والأحزاب بطبيعتها تختلف وتأتلف، تتنافس وتتنافع وتتدافع وتتنفّس،كي تصنع في مجتمعها سلميَّة وحريَّة ومدنيَّة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا …
يتبع2