قتلت ثعبانًا وهي المرة الأولى التي أقتل فيها ثعباناً يافعًا لوحدي، كان يدخل إلى باب الغرفة وقد أبطأ البرد من زحفه، وكنت أبحث عن التصريح الذي قاله بوتين بشأن تنبيه الدول من صناعة مقاتلين من روبوتات لا تملك أحاسيس ومشاعر. على المتيمين في جمع الأحداث أن يضيفوا هذه الواقعة إلى «حدث في مثل هذا اليوم». حادثة قتلي للثعبان.
نحن بيئة لا تقتل الثعابين المسالمة، وسمعت قصة أن جدي لأبي شعر بلزة في خاصرته كلما اشتد النهار زادت اللزة، في الظهيرة فك الوشاح الأخضر الذي كان يلفه حول الخاصرة فتبين أن بداخلها ثعبانًا، منعهم جدي من قتله.
تغيرت معايير السلم من حياة جدي إلى حياتي. الثعبان الذي يدخل غرفتك ليس مسالمًا.
كل ما يتدلى على المعالق الآن يبدو مثل الثعبان المقتول، أنصاره الذين يتوافدون للثأر، قمت وبيدي عصا من السدر وأنا أرى خيالًا مثل «الحنشة أم الحنش»، ضربت على الحائط بأقوى قوتي ليتبين لي أن ما ضربته ليس إلا ظل المعكوس لحزام المئزر.
كنت غاضبًا من كثرة المعاتبات التي أسمعها من قبيل: ماذا لو كان الثعبان لدغك وأنت منفرد بماريا شارابوفا؟. إذ حدث قتلي للثعبان، في الوقت الذي فتح محرك البحث على الحسناء الروسية الزعيمة المتوجة على عرش التنس، ماريا شارابوفا، بدلًا من تصريح فلاديمير بوتين، فنسيته وتصريحه العجيب الذي تحدث عن ضرورة أن يكون القاتل آدميًا ولا ينبغي أن تدخل التكنولوجيا في صناعة قتلة آليين بلا مشاعر.
المعاتبة التي تلقيتها متعلقة بالموت، لأنه وحسب الأقاويل المتوارثة، يدخل الموتى قبورهم محتفظين بآخر ما شاهدوه في الدنيا. المسألة تتعلق إذن بنزاهة النظر أمام منكر ونكير كما يبدو من ظاهر العتب. وسيكون من الإحراج أن يكون في رأسي صورة ماريا بتنورتها القصيرة وقبعتها المفتوحة وهي قابضة على المضرب متعرقة تحت لفح الشمس، ونصف انحناءة تأهُب لضرب الكرة. سيكون محرجًا جدًا هناك تحت الأرض وقد انفض المشيعون من حولك بما فيهم أصحاب العواطف الرقيقة.
مقتُّ قتلي لثعبان وضجتي التي أحدثتها لتبيين الشجاعة، ومازلت متأهبًا وإلى جواري صميل مكور الرأس خشية أن تأتي "الحنشة".
بي قليل من الرجفة. كيف يشعر قتلة الآدميين، القاتل الذي يخطئ هدفه على متن الطائرات العسكرية، الطائرات بلا طيار؟.
أما بوتين فلا داعي لذكر ما قاله بالنص. يظن الديكتاتور الغريب أن ماريا ستشفع لدمه الثقيل وهو يتحدث عن قاتل بمشاعر، في الوقت الذي يتحدث جنرال روسي أن بلده جربت كافة الأسلحة الحديثة في الأراضي السورية، من الطلقة إلى القنبلة إلى الصواريخ والبراميل، وكأن القاتل الذي يملك شعورًا أفضل من القاتل الجاف.
كيف يشعر من يجذب حبل المدفعية لتصل القذيفة العشوائية إلى أطفال يلعبون الكرة وسط الشارع بتعز؟. وأي مشاعر يحملها القناص الذي يقتل النساء والأطفال؟ أي مشاعر يحملها القاتل في عدن الذي يغتال إنسانًا ويصور مسدسه المزود بكاتم الصوت لحظة خروج الرصاصة من فوقة المسدس إلى رأس الضحية، بتهمة الردة؟
اصنعوا قتلة آليين، فهؤلاء يملكون مشاعر من فولاذ، القاتل الآلي سيحتاج إلى كهرباء، لن يعمل حين يكتمل الشحن، قطع واحد من أسلاكه يكفي لينطفئ طفأة ثعبان في الليلة الباردة.
في الأجواء الباردة من السهل أن تقتل ثعبانًا، الأهم أن تتحرك، لا أن تفعل كما فعل يزيد بن المهلب. بحسب رواية ابن الجوزي في "أخبار الظراف والمتماجنين"، وقعت على يد يزيد حية فلم يدفعها عنه، فقال له أبوه: «ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة».
أيها الشجعان الذين ضيعوا عقولهم. الأفاعي تتلوى على الأيدي، وألسنة الحيّات تنصنص على رقبة البلاد.