حينما يفقد الناس الشعور بالأمان ويغرقون في مستنقع الإدارات العشوائية والمتنافسة يلجئون إلى اقرب وتد خشبي أو أي سطح عائم يعتقدون أنه سينقذهم من الكارثة.. ذاك يمسك بالقارب العشائري وهذا يمسك بوتد المناطقية وآخر يمسك بوتد الطائفية والبعض يهرب إلى التطرف وآخر يتدثر بالتغيير والانحلال وبالشعارات البراقة مبررا انحلاله وانسلاخه وبيعه لوطنه بآلاف المبررات ومئات العناوين وأثناء كل هذا تغرق سفينة الوطن والتعايش والوسطية والاعتدال بشكل بطيء نحو القاع وقد خرقت من كل أنحائها بفعل الصخور والفئران التي تقضم في جسدها خصوصا وقد أهملها الجميع وتخندقوا داخل مربعاتهم وألواحهم الهشة .
هذا هو حال الوطن اليوم ولا أدري كيف تلاحقت الأحداث فجأة وبشكل متسارع حتى فتح صندوق باندورا الخيالي على يمننا الحبيب، موجهاً كل الشرور التي فيه وأحلها في أجساد اليمنيين حتى بتنا نعيش وكأننا في القرون الوسطي أو مجاهل أفريقيا فصرنا نفترض العداوات ونخون من يختلف معنا حتى داخل المجموعات المتقوقعة حول نفسها سواءً كانت أحزابا أو منظمات أو توجهات نلاحظ أن هناك موجة سخط وازدراء لكل صاحب رأي، تراجعت خطواتنا كثيراً نحو الوراء ولا أدري متي سيتوقف هذا السقوط الإنساني الذي نحن فيه ..
علينا جميعا أن ندرك هذا المشهد السريالي الذي نحن فيه علينا جميعا بما فيهم الأخوة الأعداء المتصارعين اليوم.. لا بد من وقفة جادة من قبل الجميع.. وعندما نقول الجميع فأقصد الجميع دون استثناء.. نريد أن نخرج من هذا الأتون المخيف.. لم نعد نتساءل عن الأسباب ولا عن المسببات.. نحن أمام مشهد يحتاج أن نقول للجميع توقفوا.. يجب أن تقدموا التنازلات تلو التنازلات.. اذا تم تدمير كل شيء.. فلن يفوز أحد ولن ينتصر أحد..
كم هو مخيف هذا الشعور وأنت ترى الجسد اليمنى يقتل نفسه ويهاجم نفسه ويأكل نفسه.. إحساس مرعب وأنت ترى أنه من الممكن أن تسمع في أي لحظة أن هناك شخصا ما يهمك أمره قد سقط مقتولاً في أي مدينة في الوطن وتحت أي انتماء مهما كانت هذه الانتماءات متباينة .
مخيف ذاك الشعور حتى الموت وأنت تسمع أن هناك شخصا تعرفه قضى نحبه نتيجة قصف خاطئ أو رصاصه طائشة أو اعتقل لان قريبا له يعمل مع هذا الطرف أو ذاك ..
قاتل جدا الشعور بأنك أصبحت بلا وطن ولا دوله ولا نظام أو قانون ومهما تحدثنا عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء وأنهم السبب في كل ما جرى ويجري .. إلا أن ممارسات الشرعية المخزية واستهتارهم ومزايداتهم بالقضايا الوطنية ابتداءً برواتب الموظفين مرورا بتقاسم الكعكة الملطخة بالدم إلى عدم الاهتمام بالمواطن في الداخل أو الخارج كل هذه الأمور تجعلنا نمقت هؤلاء أكثر من الطرف الآخر.. هؤلاء الذين لم يروا عطش الجنوب للدولة والنظام والعدل ولم يصدقوا مع الشمال في كل وعودهم وأحاديثهم التي لم ينفذ منها شيء، ولم يحافظوا على بقايا شرعيتهم التي تتهالك يوما بعد يوم.
المحصلة في نهاية المطاف أن هذه الشرعية لن تصمد طويلاً في المستقبل فهي تعاني من الداخل ولا تستطيع تجديد قياداتها فمع أول محاولة تغيير سنجد من يضرب في العمق ويكشف المستور.. البعض يستند لهذا والبعض يركن إلى ذاك وضاع الوطن بين كل هؤلاء ..
في الأخير لا أقول إلا اذهبوا عنا يا تجار الحروب ويا بائعي الوهم ارحلوا عنا بكل مسمياتكم ومزايداتكم علينا.. ارحلوا عنا جميعا فقد بان لنا عواركم جميعا، ارحلوا فقد سئمنا من كل ترهاتكم هذه التي قتلتنا ودمرت الوطن.