الخميس عيد اليمني، هذا ما كان متعارف عليه قبل الحرب، غير الموظف يماشي طقوس الموظف الذي ينشغل أيام الأسبوع ويتفرغ في يوم الخميس حيث تكون الغداء جيدة والقات جيدًا.
معظم طلاب المدارس والجامعات، يلوكون القات في يوم الخميس.
الشابات، وبعض الذين لا يمضغون القات، لا بد أن يطعم من عشب طري تمازجت فيه ألوان قزح يطعمه، يطعم العشب وليس قوس قزح في يوم الخميس.
منذ الحرب، اختلطت روزنامة الأيام، أيام الخمساء تبدو كما لو أنها اربعاءات متوترة، السبت يأتي يوم الجمعة، وبقية الأيام ضائعة، وكلها ساوت بين الموظف وغير الموظف واحتوت الشعب في جحيم البطالة.
العاملون القلة ترأسوا الجماعات المليشياوية، فرغوا الناس وأخذوا كل الأعمال على رؤوسهم، حتى يوم الخميس يعملون به، لدرجة أن الشقي يرثى لحالهم وهو يتخيل أن سواعدهم ستصاب بالشد العضلي وهم يعدون الأموال المسروقة.
فاز بها البسيط الذي يعمل، ويغالب الحياة هنا وهناك وليس من يسرق. فاز بها أنور، صاحبي أيام الدراسة، كان أكبر من في الصف السادس ولكن فهمه بطيء، وكان سليط اللسان ويتيمًا ألف على المشاغبة، وكان أكثر من يتعرض للضرب داخل الفصل.
الأساتذة الذين كانوا يضربونه، يذهبون إليه الآن خافضي الرؤوس، يهمسون في أذنه بحياء، لا يريدون للزبائن الذين هم حوله أن يسمعوا ذلتهم، يذهبون كل خميس ويقترضون منه أكياس القات.
أنور يعاتب أستاذًا، ويمازح آخر:
«عاد وحن العصا حقك بظهري يا أستاذ». يفعل ذلك في العلن فينكمش وجه الأستاذ.
يتمنع أن يمنح أستاذًا، ثم يشفق عليه ويعطيه، يعصب على قنامة القات ويشعل سيجارته، هو ملك السوق في هذه اللحظات، تعتريه نوبات الأنا، تتفخم عظمته وهو يقسم ألا يبيع حتى لمن يملك مالًا ولمدة ربع ساعة.
القات قاس هذه الأيام، الغلاء الفاحش عم كل شيء، ويبدو أن للباعة قرون استشعار مخفية داخل رؤوسهم، فأول ما أصدرت دول التحالف قرار إغلاق كل المنافذ اليمنية جوًا وبحرًا وبرًا، ارتفع كيس الدقيق وانطفأت محطات الوقود، دبر أنور ما يقارب من خمسين لترًا من البترول لولده، صار أبًا لثلاثة أولاد ويملك منزلًا سقفه مصبوب بالاسمنت، لم يبع الخمسين اللتر في السوق السوداء بل فوق برميل حديدي عليه علب بلاستيكية مملوءة بالبترول.
عندما دخل الشتاء القارس هذا الموسم، تذكر أنور والأساتذة محتلقون عليه، أنه ترك المدرسة في صيف حار، فر وهو يشتم الجميع، بعد أن ضربه أستاذ العلوم:
«أنا أنـ... عارك أنت والمادة والكتلة التي تشغل حيزًا من المخناثة» قال بصوت باك وهو يفر من الحصة الرابعة تلك وإلى الأبد، كان ذلك في الصف الثالث الاعدادي، ولم يواصل الدراسة في أي مدرسة منذ ذلك الوقت.
يكفي المرء أن يتعلم كتابة الأسماء وجمع الأرقام في هذا البلد الطيب. أنور يحسب الديون، لديه دفتر أبو جر أزرق، يكتب فيه أسماء الأساتذة الذين علموه، وبما يشبه الحكم يذيل الصفحات: لو دامت للأستاذ ما وصلت لأنور.
يوم الخميس أكد أنور أن الدولار ارتفع مقابل الريال. لم يرض أن يقرض أحدًا، الأساتذة والجنود، المغتربين والمديرين، وحين جاء شخص لا عمل له، يستعطف أنور ويقسم له بأنه سيسلم له قيمة القات بعد أسبوع، أشعل أنور سيجارته وشتم الشخص: قد البنك مقفل.. من وينه اشتدي بيس.. من ز.. إلخ.