الطبيعة البشرية تواقةٌ إلى الجمال، محبة له كثيراً. هذا يعجب بجمال كذا، وذلك يعجب بجمال كذا وترى الناس سكارى بالجمال وما هم بسكارى، ولكن الجمال له دور فعال بإحداث التغير في النفسيات البشرية.
والإنسان عادة ما ينجذب إلى جمال غيره دون قصد منه.. يقول أبو نواس في وصف غلام له
يزيدك وجهه حسناً.. إذا مازدته نظرا.. وترى الإنسان ينجذب إلى جمال الطيبة كثيرا، ويهرب إليها عله يسعد بها فتراه يشبهها بمن يحب أو يشبه من يحب بها.. وعلى هذا نحن نحب الجمال ونتوق له كثيرا.
ولِمَ لا؟ وما نحن إلا كتلة من المشاعر المخزونة تظهر عادةً إذا أغرانا شيءٌ ما.
فالجمال آيةٌ ربانية وضعها الله في الإنسان والحيوان والأشجار والأحجار وكل كل شيء ،ووضع لنا عقلاً وقلباً نميز الجمال من خلاله، ولكي نضع مقداراً له بين كل المستويات.. فمنا من ينجذب للجمال الخارجي، ومنا من ينجذب للجمال الباطني جمال الروح ،وهذا هو الجمال الحقيقي الذي لا يمتلكه إلا الأوفياء الأنقياء المخلَصون من شوائب الحقد والكراهية، النابعون من السلام.
جمال الروح هو الذي يبحث عنه الجميع صغيرهم وكبيرهم ومتوسط السن والكاهل المسن، القريب والبعيد الأليف والغريب.
جمال الروح هديةٌ ربانية من الله تعالى يهبها لمن يشاء، وهي مكافئةٌ عظيمةٌ لمن يمتلكها.
طوبى لأولئك الذين يحملون بذواتهم وين ضلوعهم جمالاً عظيماً وأرواحاً يقضى وضمائر حية تجعلنا نطرقُ رؤوسنا حباً لهم.. وتجعلنا ننحني تقديراً واحتراماً لهم، فأولئك الذين يمتلكون هيبةً عظيمةً تشعرنا بارتعاد في أجسادنا إذا ماحاولنا الاقتراب منهم، وإذا ماحاولنا أن تحدث إليهم...
فطوبى لمن منحه الإله جمالاً روحياً ولمن يبعث هذا الجمال بين أضلع الناس، فإننا نرى جمال الأرواح لدى البعض قد شابه الزمن بالبلاء ويكأنه تنهد من أعباء الزمن ونوباته.
جمال يكاد أن يختفي من واقعنا ولا غلو إن قلت: إنه قد اختفى لدى الكثير، فمن كان لا يعرف الحقد والبغض قد شبعه وألفه، ومن كان لا يعرف التطير والتشاؤم قد أصبح أهلاً له ومن ذويه، وحسن الظن بالآخرين قد تقهقر في قلوب العالمين.
حتى على مستوى الرحمة قد انتُزعت أو أوشكت على ذلك، فإذا رأى الإنسان إنساناً يتلوى ألماً لا يصدقه، وإذا رأى الإنسان إنساناً لايجد مأوى وينام على أرصفة الطرقات بين البرد القارس يوجس منه خيفةً ويظن به سوءاً.
كيف لجمال الروح أن ينمو في واقع قتل فيه كل شيء.. قتل في الضمير توأمه الوحيد.. قتلت فيه الأخلاق والمروءة والكرامة والعزة.
كيف له أن ينهض في واقعٍ سقط فيه كل شيءٍ إلى الحضيض إلا الجهل والحقد والبغضاء. فقد وصل كل منهم إلى القمة.
إذن لنرثي حالنا ولنرثي الضمير الذي كان حياً فأماتوه، ولنرثي جمال الروح فجميعهم قد غادرونا تاركين وراءهم وجعا.