يعتبر هذا الزمن هو زمن حوثي أكثر مما هو زمن الإنقلابيين، لأنه سبب كل ما نحن فيه الآن، وهو سيد المشهد في مناطق سيطرته،أما صالح فقد تلاشى داخل هذه الجماعة أثناء قدومها من جبال صعدة، حتى كاد لا يُرى، لذا يعتبر هذا "زمن الحوثي".
من المعلوم لدى الجميع أن مدينة الحديدة،غنية بالثروة.. وفيها العديد من مصادر الإنتاج، ومصادر الإيرادات المباشرة، كالموانئ والجمارك، تربتها خصبة زراعية. سأذكر، بشكل مختصر، مصادرها الإيرادية، التي كانت بالإمكان قادرة على جعلها- لو سخرت- مدينة غنية ومزدهرة: الثروة السمكية التي لا زالت تنتج، المصانع الإنتاجية التي لازالت تعمل، المساحات الزراعية الشاسعة، الموانئ، الجمارك، الضرائب بأنواعها؛ ولكن إن فتشت في التاريخ لتقرأ حال أبناء هذه المدينة، في كل زمن وفي عهد كل حاكم، سيكتشف لك أنهم يعيشون "النكبة" في كل زمن. فالحديدة بتقديري منكوبة الزمان. وخصوصاً في عهد صالح الذي لازال شائكاً، وعهد الحوثي الحاضر.
في زمن صالح هُمشت وجوعت، وفُقِر أهلها وشردوا. بعدما استحوذ صالح وزمرته خيرات تلك المحافظة.
أما في زمن الحوثي، الزمن الذي أقصد الكتابة عنه، عرفت "المجاعة" التي أثارت قلق العالم ومنظماته، والموت بسبب انعدام الرعاية الصحية، والدواء الذي عجزت كل تلك المصادر والثروة عن توفيره لهؤلاء البسطاء، حيث سخر الحوثيون كل مصدر فيها يدر بالمال لصالحهم، حتى الخمسين الريال التي يأخذوها كضريبة على أصحاب الباصات الفتش التي تُحمل عُمال الأجر اليومي من سوق عثمان إلى الحلقة، كل هذا الاستنزاف يذهب لرفد الجبهات واستمرار القتال.
يموت المواطنون البسطاء الغلابى في تلك الصحاري من شدة الجوع الضاري، وخيرات المزارع الغفيرة من حولهم تحملها طقومهم وتذهب بها ليعيش المجاهد في جبال تعز ويحافظ على بقائه هناك، ليستمر في قتل أكبر عدد ممكن من الأطفال والمدنيين. فبقاء المجاهد الحوثي خيراً من إنقاذ طفلٍ أوشك أن يموت من المجاعة. الواقع يقول إن هذا مكتوب في ملازمهم.
كما قال الحوثيون في زواملهم ما نبالي، فعلاً لا يبالون تماماً بموضوع المجاعة في الحديدة، حتى نرى تفاقمها وتفشيها بشكل متسارع، ينهبون كل خيراتها، ويبقى مسؤولو السلطة المحلية الذين ليس لهم أي قرار أو ما يقدموه، مكتوفي الأيدي أمام تفشي وباء المجاعة والكوليرا.. فهم مشغلون بتقاسم الثروة ورفد الجبهات.. ومن يندد بخطر المجاعة، يصنفوه بالطابور الخامس.
ويعد اليمن ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث التغذية، وتحتل محافظة الحديدة المرتبة الأولى بين محافظات اليمن في معدلات سوء التغذية بين الأطفال ما دون سن الخامسة، بحسب تقارير المنظمات الدولية. لماذا الحديدة هي الأولى؟ ببساطة لأنها عاشت على امتداد الفترات السابقة على كنف الفقر والجوع، فجاء الحرب وتبعاته وهي على المشارف فكانت أول الغارقين في بحر المجاعة، وللأسف لا يوليها كل من ملك قرارها أي اهتمام حتى وإن كان حقاً إنسانياً.كل هذا العناء وهي الأكثر حلوباً مقارنة بمحافظات عدة، ولكن يحلبها غير أبناء،أو يحلبها بعض أبنائها بطريقة أو بأخرى ليكن نصيب الأسد لغيرهم من النافذين.
جاء الحوثيون فحولوا كل مصادر الإيرادات فيها حتى التي لا تكاد تُذكر، لتصب إلى جيبهم ولصالح حروبهم العبثية التي لم تعرفها الحديدة بعد.
استمر تدفق الدعم بالمواد الغذائية والاغاثية والدوائية والمشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة من المنظمات الدولية التي كانت تدعمها دول التحالف ودول أخرى ،إلى أن أعلن التحالف أغلاف كافة المنافذ اليمنية.
عملت المنظمات على توصيل النفط والغذاء والدواء لليمن عبر ميناء الحديدة ومطار صنعاء أحياناً،يستلمها الحوثيون ويتكفلون بتوزيعها..
وقالت السعودية- في تصريح رسمي لها- إنها قدمت 8.27 مليارات دولار، ناهيك عن الدولارات التي قدمتها دول غير السعودية، كمساعدات إنسانية لليمن خلال عامين غير التمويل الحربي، قُدمت للمنظمات الدولية العاملة في اليمن، ذهب نصيب الأسد من هذه الأطنان الإغاثية إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون عبر مينائي الحديدة والصليف، وجزء بسيط كان يدخل عبر مطار صنعاء.
لا ننتقد ذهابها لتلك للمناطق، فهم يستحقون هذا وأكثر، ولكن إلى أين كانت تذهب؟ ثمة اتهامات للحوثي من عدة جهات محلية ودولية باستغلاله تلك المساعدات في تموين حروباته.
كان بمقدور هذه المبالغ ومصادر الإنتاج العاملة في المحافظة، أن تحد من تفشي كارثة المجاعة والأمراض، حتى إلى حد ما؛ لكنهم سخروا كل هذا في خدمة مسيرتهم "الشيطانية"، غير أبهين بموت الأطفال جوعاً.! لا قيمة للإنسان اليمني في أدبياتهم.
أقول إن الحرب هو سبب المجاعة والفقر والمرض، كان بمقدور الحديدة -بماتملك- أن تقاوم تلك الأوبئة وتصمد طويلاً، ولكن الحوثي جردها من كل وسائل الدفاع عن نفسها أمام هجومها الوحشي والقاتل، فكانت أول الغارقين في بحور تلك الأوبئة. فمتى سترا النور هذه المدينة؟!
وأختم برسالة لصديق من تلك الأرياف، كنت قد سألته عن المجاعة وحجم الإغاثات، اختصر الموضوع بالكلمات التالية المجاعة الموجودة لم نر مثلها من قبل يعلم الله أن بعض الناس يعيشون على وجبة واحدة طول اليوم.. نقول حسبنا الله ونعم الوكيل
أما حجم الإغاثة لا يعلمها إلا الله والمتنفذين الذين يسيطرون على البلاد.
"لا يرحموا ولا يخلوا رحمة ربِ تنزل"