نمر في حياتنا بأطوار تختلف نزعاتها وتتباين تقلباتها، وإن كان لنا فيها ذات الإهاب الذي يميزنا عن غيرنا.
وكلما عبرنا مرحلة ما التفتنا لما قبلها برضا حيناً وأحياناً بسخط أو استسلام؛ نظن كل مرحلة توارت وطواها ما بعدها.
لكن أطوار أعمارنا لم تختف أو تزول؛ هي مختبئة داخل كل شخص منا..
فما زال فينا ذلك الطفل المشاغب العنيد وذلك المراهق الطائش؛ وذلك الشاب النزق وذلك الرجل القوي؛ وذلك المسن الضعيف.
كل أطوار عمرك مختزلة وكامنة في داخلك تطفو إلى السطح مع كل ردة فعل أو تصرف يستثيرها أو يستدعيها من الداخل فتثب قافزة من داخلك وكأنك عدت ذاك المرء.
أحيانا نعود أطفالا نستلذ اللعب والمرح والشغب ونتوق لحنان الأم دون غيرها؛ وأحيانا نصاب بطيش المغامرة كمراهق يتشوق للحياة بكل متعها بنهم لا يردعه عقل؛ وأحيانا يبرز فينا ذاك الشاب الذي يرى كل ما فوق الأرض تحت قدميه هو عنفوانا وقوة..
وأخيراً، يتضح فينا نضج الاكتمال وتحمل المسؤولية فنعطي كل ذي حق حقه ونحاول التوازن مع كل ما حولنا ومع أنفسنا وذواتنا.
وفي كل طور من هذه الأطوار، نحن نمارس لعبة الحياة بشغف المرحلة؛ لا يوجد طور أسوأ من آخر أو مرحلة عمرية أجمل من أخرى؛ بل لكل مرحلة متعتها وميزتها التي لا تكون إلا بها وفيها..
والأجمل من كل هذا، أن هناك من يتوقف مرور مراحل وأطوار عمره عند مرحلة معينة تصبح هي السمة الغالبة لشخصه حتى وهو في أعتى عمر؛ فكثيرا من نقابل أشخاصا تظل براءة طفولتهم ونقاء تصرفاتها هي الغالبة عليهم؛ وكأنها طفولة الروح تمتد حتى الهرم.
هؤلاء هم الوجه الأجمل لأصناف البشر، ومراحل العمر كلها.
لكن اللعبة مع الحياة تنتهي حين تستولي روح المسن الهرم على المشهد فتنتهي الآمال ويقترب الأجل وأنت حيّ.