قبل أربعين عاماً كان الفساد محدوداً في البلاد العربية، وكانت النزاهة من القيم التي يتحلى بها القادة، وقضى أكثر القادة العرب الكبار دون أن يكونوا من أصحاب الملايين والبلايين، ولكنهم غادروا الدنيا وهم محل تقدير واحترام شعوبهم..
وتغير الحال بعد ذلك شيئا فشيئا حتى صار الفساد طريقة حياة في أكثر بلاد العرب، وتسابق كثير من القادة، في كل المستويات، على الإثراء غير المشروع.
ومثلما انتشرت النزاهة بالعدوى والتأثير والنموذج في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، انتشر الفساد بعد ذلك، في البلاد العربية، بالعدوى والتأثير ونماذج الجشع والطمع، وكان انفجار الربيع العربي أو الزلزال، نتيجة لعهد الفساد الذي طال أمده المشئوم ودمر كل شيء، بما في ذلك، بل أهم ما في ذلك، أنه طال القيم البناءة.
لعل الحرب التي دشنها ولي العهد السعودي الأمير/ محمد بن سلمان، ضد الفساد في بلاده تأذن بعهد عربي جديد، يتوارى فيه الفساد خجلا وشعورا بالخزي والعار والخوف.
والحق، فَلَو قدر لمثل هذه المواجهة مع الفساد أن تتم في بلد مهم مثل السعودية أو مصر، قبل عشر سنوات أو عشرين سنة، أو نحو ذلك، لتأسى بها آخرون في بلاد عربية أخرى أكلها الفساد، ولما أنزلقت المنطقة إلى ثورات وفوضى وحروب طاحنة وتشرد وتشرذم وهوان على النحو الذي نعرفه ونعاني منه اليوم.
في أسباب كلما يعانيه العرب اليوم من تشرد وفوضى واضطراب وحروب وبؤس، فتش عن الفساد، وفِي إحراز أسباب النهوض والتقدم فتش عن قادة كبار يتسمون بحزم وعزم لا يلين في مواجهة الفساد وأسبابه وتفرعاته ودواعيه، مثلما يحصل في الصين اليوم بقيادة زي بينج.
يخوض الأمير محمد بن سلمان معركة شاملة في بلاده في اتجاهات عدة، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. ولعل تلك المعركة الشاملة التي يخوضها أمير مقدام قد تأخرت أكثر من ثلاثة عقود.. وأهمية النحاح الذي يحرزه بلد مهم مثل السعودية، أنه قد يشكل نموذجا يحتذى، في منطقة طالما غاب فيها نموذج معتبر للنجاح الذي يمكن اقتفاؤه.
ويعول على السعودية الجديدة في بلورة مشروع جديد ورؤية جديدة في علاقتها ومسؤولياتها تجاه محيطها العربي ابتداء باليمن، بما يعزز الشعور بوحدة الهدف والمصير المشترك.. ولعل قيادة السعودية للتحالف العربي الذي يخوض الآن حرباً في اليمن، يضع الجميع أمام لحظة الحقيقة، التي ربما لم تكن في حسبان واضعي السياسة وصناع القرار في البلد الجار الشقيق،قبل عهد الملك سلمان، ولا يمكن الزعم بوجود شيء من ذلك القبيل، في اليمن، على نحو صحيح طوال العقود الماضية.
وبقدر أهمية نجاح مشروع الأمير محمد بن سلمان في السعودية، نتطلع بالقدر ذاته أن يتبلور عن نجاحه المأمول، مشروع عربي، ينجح في انتشال الوضع العربي من الهامشية والضياع والتفكك والحروب إلى وجود عربي معتبر ومتجدد، ومتكامل ومتحد.