نسمع هذه الأيام عبارات متحمسة تقول إن شبوة انضمت وشبوة قررت في طريقة طريفة وكأن محافظة شبوة قطعة أرض في حارة وليست منطقة شاسعة تحتوي جغرافيا متنوعة وقبائل متعددة وحواضر ضاربة في التاريخ وتنوع فكري وتعدد سياسي.
في هذا المقال سنعطي نظرة سريعة لتكوينات شبوة المتعددة قبل الاستقلال وبعد الوحدة والواقع اليوم حتى يستفيد القارئ ويعرف ربوع وطنه بشكل أفضل بدلاً من التعامل بسطحية قد تؤدي به لأحكام خاطئة.
محافظة شبوة بهذا المسمى كيان استحدث بعد الاستقلال وتم ترقيمه برقم أربعة إلى جانب أرقام أخرى في الكيان السياسي الجديد والذي تم طمس ملامحه السابقة المختلفة، ومكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية وقولبة هذا المجتمع في شكل واحد وفكر واحد.
تم التعامل مع التقسيم الإداري بالأرقام كأن هذه المناطق مجرد بضعة معتقلين في سجن سري إلى أن تم إطلاق المسميات على تلك التقسيمات في مطلع الثمانينات فتم منح المحافظة الرابعة اسم شبوة.
تتكون محافظة شبوة من ثلاثة أقسام من ناحية نظام الحكم قبل الاستقلال، حيث تقسم إلى إمارة بيحان(شمال شبوة) وسلطنة العوالق (الوسط) وسلطنة الواحدي (جنوب شبوة) وتحت كل قسم توجد نُظم قبلية ومشيخات متعددة. وهذه التقسيمات لم ينجح النظام في إزالة تأثيرها الاجتماعي بشكل تام كون محافظة شبوة لم تتقبل الفكر المفروض وقتها بالحديد والنار بل تعاطت معه كواقع مفروض. وفور إعلان الوحدة وزوال نظام القبضة الحديدية عادت القبائل إلى تنصيب الشيوخ وعادت المناطق السابقة للملمة شتاتها وما أمكن من نسيجها الاجتماعي.
قبل الاستقلال كانت هناك مواقف سياسية مختلفة فحصل الانقسام مثلاً حول التعامل مع المحتل البريطاني فهناك من رفض رفضاً قاطعاً وهناك من رأى التعامل معه كواقع شأنهم شأن باقي سلطنات ما عرف باتحاد الجنوب العربي.. وكان للرافضين منابرهم الإعلامية المتمثلة بشعراء تذيع قصائدهم ويتناقلها الناس وكذلك المؤيدون لهم من يدافع عنهم. وفي هذا الخضم برز سياسيون أفذاذ من أبناء شبوة وانخرطوا في عدد من المكونات السياسية بل كانوا رواد لتأسيس عمل سياسي نضالي مميز. فمثلاً كان أبرز مؤسسي حزب رابطة أبناء الجنوب من شبوة إضافة لتبني كثيرين للانتماء لجبهة التحرير كما انضم آخرون للجبهة القومية. واللافت في هذا الأمر أن هذا التنوع كان حتى داخل القبيلة الواحدة بل الفخيذة والأسرة.
بعد الوحدة تنوعت الانتماءات السياسية خصوصاً مع التعددية الحزبية وفي خضم الانقسام الذي حصل بين شركاء الوحدة قبيل الحرب توزع أبناء شبوة بين المعسكرين بناء على توجههم السياسي. وبقي يحسب لشبوة عدم زجها بطبيعتها الإجتماعية في خضم الصراعات السياسية والمماحكات الحزبية.
بعد أن استفرد حزب النظام الحاكم المؤتمر الشعبي بالحكم بعد 97 كان جملة من مشائخ شبوة أعضاء في هذا الحزب ويدعون لمناصرته وتأييده. وهذا ما حصل في عام 2006 في الانتخابات الرئاسية حين كان موقف الرموز السياسية والمشائخ المنتمين للمؤتمر هو دعم مرشحهم علي عبدالله صالح وطافوا في مختلف المناطق لدفع الناس لذلك. ولكن الناس بطبيعتها الشبوانية المحافظة اجتماعياً بقيت على تقدير واحترام المشائخ والرموز ولكن الحرية السياسية شيء آخر فكانت شبوة في عدة مناطق مناصرة للتغيير وصوتت ضد حزب النظام آنذاك.
في أيامنا هذه لايزال نفس التنوع السياسي الذي حصل بعد الوحدة قائماً ولكن أضيف اليه بروز تيارات جديدة ومؤثرة في الساحة لها كلمتها وحضورها كالحراك الجنوبي بتنوع مكوناته والسلفيين والمقاومة وهؤلاء جميعا بتنوعاتهم المختلفة اثبتوا وجودهم واقعياً وسيشكلون ثقلاً مرجحاً بلاشك في أي استحقاقات قادمة.
ومع بروز مكون المجلس الانتقالي مؤخراً انضمت بعض القيادات السياسية من أبناء شبوة من توجه سياسي واحد كممثلين لشبوة في هذا المكون دون باقي المكونات. وسيبقى لهم تقديرهم واحترامهم الإجتماعي كما حصل طوال المراحل السابقة دون أن يكون هذا الرأي معبر عن شبوة وسيظل المجال السياسي واسعاً بسعة صحاري شبوة وبحارها وجبالها. وهذا الأمر يعرفه جميع أبناء شبوة لذا لم نسمع من أحدهم قوله بأن شبوة قد قررت أو فوضت بل هو رأي واجتهاد نتمنى لمن اختاره التوفيق والسداد ولمن يتحدثون باسم شبوة من خارجها الرشد والهداية.