كم أشعر بالقرف الشديد تجاه أولئك الوزراء والمسؤولين الكبار ممَّن يضجُّون بالشكوى الدائمة جراء الأعباء الثقيلة الملقاة على كواهلهم والأخطار الكبيرة المحدقة بحيواتهم وافتقادهم ميزة البهجة التي تمنحها حياة البسطاء من الناس لهم.. وهم يُردّدون بمناسبة وبدونها التعبير عن رغبتهم الجامحة في التخلص من قيد الوظيفة العامة وحصار المسؤولية وشراكها!
وتزداد شكواهم هذه كلما اصطدموا بحالات سخط ووقائع شتيمة وموجة لعنات تنهال عليهم من قبل المواطن البسيط الذي بات يُعاني ضنك العيش وويلات الوضع السياسي وتداعياته الاقتصادية الاجتماعية والأمنية وغيرها من إفرازات الحرب والحصار والفساد والغطرسة والجبروت الذي وضعه بين سندان الانقلاب ومطرقة "الشرعية" كما هي حالته اليوم.
لقد باتت سياسات الحكم وإجراءات الحكومات تقصم الظهر وتفصم الجبين.. فماذا ينتظر الوزير من موقف شعبي؟!.
والحق أن كل وزير ومسؤول كبير عليه أن يدرك أنه سيظل ملعوناً ومذموماً ما دامه مُقتعداً كرسي الوزارة أو ما شابهها.. يتفاوت في ذلك منسوب اللعن والذم، لكنه لا ينعدم البتة.
فوزير الكهرباء -مثالاً- سيتحصّل على فاتورة لعن بآلاف الكيلووات شتيمة في كل ثانية ينقطع فيها التيار الكهربائي عن مريض أو عجوز أو طفل يقبع تحت سياط اللهب في منطقة شديدة الحرارة وفادحة الرطوبة.. والأمر ذاته ينطبق على وزير التموين في حال انعدام اللقمة أو تعرضُّها لعارض سوء.. أو وزير الداخلية في حال استفحال القلاقل الأمنية.. أو وزير التخطيط الحضري في حال خراب الطريق.. أو وزير المياه في حال شحَّتها أو نضوبها.. أما وزيرا التعليم والصحة فإنهما المادة الخام للشتيمة منذ فجر التاريخ الحكومي، يستحقانها بسبب وبدونه، بل أن السبب متوافر دائماً ومن دون حاجة إلى اختلاق.!
إن أحداً - حاكماً كان أو محكوماً - لم يُجبِر هذا الوزير أو ذاك على تسنُّم موقع المسؤولية العامة.. وقد قالها يوماً الزعيم الفرنسي شارل ديجول: "ليس من حق أيّ وزير أن يشكو، فلا أحد أجبره أن يكون وزيراً".
نعم، لم يجبرهم أحد.. فهذا الوزير أو ذاك هو الذي قبلَ مختاراً راضياً بهذا المنصب حين عُرض عليه.. بل أن بعض الوزراء قد لهث "كالكلب" وراء المنصب.. ثم يأتي هذا أو ذاك ليتشاكى ويتباكى!.
لقد أراد هؤلاء من المنصب وجاهته وأُبَّهته وأمواله وامتيازاته، من دون أن يُسدّدوا ضريبته الواجبة من تحمُّل مشاقّ مهامه ووطأة التزامه وتبعاته ومن بينها التعرُّض المستمر لنقد العامة والصحافة والمعارضة، وقد يرتفع منسوب هذا النقد إلى مستوى يجرح الفؤاد ويُدمع العين في حال توافر بعض الدم الساخن والحياء المشبوب والضمير المركون لدى الوزير، وهي حالة نادرة!.
اقبلوا وتحمّلوا.. أو ارفضوا، تسلموا..
وفي حال القبول، اخرسوا.. عليكم اللعنة!