أحيت الحرب في اليمن جذور أطرافها الضاربة في أعماق دولتين..
دولة الأئمة الزيدية التي أحياها انقلاب 21 سبتمبر 2014، تبدو كما لو أنها أكثر عمقا من الجمهورية العربية اليمنية التي نهضت بها ثورة 26 سبتمبر 1962في شمال اليمن.
لقد كثفت الجمهورية هياكل نظامها المركزي ونخب الحكم المحتكرة للسلطة والثروة داخل النطاق الجغرافي للهضبة الزيدية ذاتها، كما وحشدت التشكيلات الأقوى لجيش الجمهورية من مناجم الحكم التاريخي الزيدي العميق ذاته..
بمغادرة الجيش المصري اليمن، بالتزامن مع نكسة مصر 67، فقدت الجمهورية اليمنية الوليدة يومذاك مثالها الثوري الملهم، ثم تاهت نهائيا برحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وخروج مصر السادات عن موقع ودور القيادة العربية لحركات التحرر العربي.
وفي المقابل، لم يكن المثال الإحيائي للمذهب الزيدي والسلالة الهاشمية قد تجلى على نحو محفز في المنطقة إلى أن قامت الثورة الإيرانية عام 1979، وما أعقبها من تصدير لهذه الثورة إلى بلدان المنطقة العربية.. فيما شكل السقوط النهائي لنظام صدام حسين في العراق 2003 بروز أوضح لنماذج الكيانات "الثورية" الشيعية بأبعادها الطائفية وأدواتها الحركية التي شكلت جماعة الحوثي متابعة عمياء لها إلى جانب تلبسها لحزب الله اللبناني بالطبع..
كان على دولة الأئمة الزيدية الكامنة تحت أسطح وأجنحة التشكيلات والهياكل غير المتجذرة لنظام علي عبدالله صالح "الجمهوري" المشوه أن تعلن عن نفسها انطلاقا من المغارات والكهوف العميقة التي لم تشع فيها ثورة سبتمبر ومسيرتها المعاقة في شمال الشمال..
ولأكثر من ثلاثة عقود، ظل نظام "صالح" يتصدر واجهة الحكم الجمهوري الذي قاده إلى نهاية مأساوية اعتمادا على الرافعة التاريخية للحكم الزيدي في شمال اليمن، وضدا على مسيرة ثورة سبتمبر التي تجسد جوهرها النقي بثورة 11 فبراير 2011 التي هبت من الجامعات وأرصفة البطالة..
كان تحالف الإسلام السياسي السني مع القبيلة في شمال اليمن قد شكل أعمق تحالفات نظام صالح بما أنبثق عنه من تشكيلات عسكرية انقسمت على نفسها بفعل القوة الثورية الجبارة لثورة الربيع اليمني 2011..
على أن دولة الإمامة الزيدية العميقة المختبئة وراء مدى أقنعة الدولة الجمهورية بدت هي الاكثر تماسكا ومكراً على طريق العودة بنظام الولاية الطائفية عبر انقسام جيش الجمهورية وتعدد كيانات السلطة الأدنى من الدولة..
وبين هذا وذاك، شكلت المبادرة الخليجية إحباطا لقوى الثورة الشبابية التي لم تكن قد أنجزت مهمتها الثورية قبل أن يكبحها المسار السياسي الذي فرضته هذه التسوية..
وهنا تجلت المفارقات الصادمة لانقسامات جيش الجمهورية بتشوهاته وانحرافاته التكوينية والوظيفية..
في 21 سبتمبر 2014، أصبح الجيش اليمني الذي أيد ثورة 11 فبراير.. هو الجيش المهزوم عسكرياً أمام جيش عائلة صالح الذي لحقت به هزيمة سياسية وأخلاقية إبان ثورة الربيع اليمني..
وأما جيش العائلة الذي عاد لينتصر ضمن عملية انقلاب كامل على النظام الجمهوري سرعان ما أبتعلته مغارات وكهوف دولة الأئمة الزيدية بجائحتها الشعبية المسلحة التي أحيتها وحقنتها الموالد النبوية والحسينيات وأيام الغدير إلى جانب ذلك العميق في الوعي الجمعي الزيدي الذي غذته وحفزته الحوزات والكيانات الشيعية في المنطقة..
فماذا عن مصير الجائحة الطائفية المهلكة التي ابتلعت هياكل ومقدرات الجمهورية اليمنية وجيشها؟
من المؤكد أنها جرفت موائلها جراء التحشيد الجائر إلى جبهات القتال..
إن مسحاً نزيهاً يشمل قوام المليشيا الحوثية وقوات صالح التي اجتاحت صنعاء في 21 سبتمبر 2014 سيظهر أن هذه القوات قد هلكت بنسبة لا تقل عن 80%.
وسيظهر المسح حقيقة دامغة مفادها أن هزيمة نكراء ماحقة قد لحقت بدولة الأئمة الزيدية وزلزلت أعماقها التي لن تلد كائناتها من جديد، على أن دولة الجمهورية اليمنية لم تنتصر بعد.. وتلك حقيقة مرة.