بكل بساطة استطاع رجل بسيط من عامة الشعب اليمني توصيف الأحداث التي جرت يوم 24 أغسطس في ميدان السبعين بعبارة بسيطة وعفوية ومختصرة عندما سأله أحد أصدقائه، كيف رأيت ما جرى ويجري في ميدان السبعين؟ فأجاب الرجل البسيط "الشعبية للزعيم والصميل للسيد" إنها عبارة بسيطة وقصيرة حقاً ولكنها تتضمن الكثير من المعاني والدلالات وتتسع للكثير من الكتب والمجلدات إذا ما أعطيت تلك العبارة حقها من التحليل العميق لطبيعة العلاقة ومكنون التحالف بين صالح والحوثيين.
كان المشهد الدراماتيكي في صنعاء وخصوصاً في ميدان السبعين ذلك اليوم كما وصفه ذلك الرجل البسيط، حيث كان الاحتشاد الجماهيري الكثيف لأنصار الرئيس السابق/ علي عبد الله صالح، فيما كانت الأجواء ملبدة بالغيوم والضبابية والخوف والذعر الشديد جراء الاستعدادات الحوثية المسلحة والتي كانت بطبيعة الحال استفزازية لصالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام الواقع بين مطرقة الحوثي وسندان التحالف.
المؤتمر الشعبي العام رغم قاعدته الجماهيرية العريضة ظهر مستسلماً وخائفاً ومذعوراً من الحوثيين أكثر من خوفهم وذعرهم من قوات التحالف والقوات الموالية للحكومة الشرعية، والدليل على ذلك أن المؤتمر هو من طلب التهدئة الإعلامية بل وتوسل من الحوثيين تخفيف حدة الخطابات النارية التي كانت بمثابة إعلان حرب على صالح وأنصاره، فضلاً عن أن الحوثيين مارسوا العديد من المضايقات لجماهير المؤتمر واحتجزوا كاميرات قناة اليمن اليوم ومنعوا المصورين التابعين للقناة من اعتلاء المباني العالية في العاصمة صنعاء وصادروا الصور الخاصة بالمناسبة.
إنه صميل الحوثي كما قال ذلك المواطن اليمني البسيط وبطريقة عفوية، ذلك الصميل الذي لم يقم وزناً لشعبية صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، صميل الحوثي الذي جعل صالح يحضر إلى المنصة وهو مذعوراً، صميل الحوثي الذي جعل صالح يلقي خطاباً مشتتاً وعشوائياً وهو مرعوب ولدقائق معدودة كادت أن تزهق روح صالح وتزيغ بصره وترتفع قلبه إلى حنجرته، إنه صميل الحوثي الذي جعل صالح يخيب آمال جمهوره المتعطش لسماع عبارات الخلاص من سيطرة الميليشيات وعبثية الملازم وغطرسة المشرفين وتعنتهم.
شعبية صالح التي ظهرت في ميدان السبعين صبيحة يوم 24 أغسطس وملئت الميدان طولاً وعرضاً كانت مكبلة بصميل الحوثي، خالية من الشعارات الثورية والحماسة الشعبية والجماهيرية، كانت جماهير أشبه بطلاب مدرسة دينية حفظت الدرس جيداً واستوعبته فكتمت ما في داخلها وابتعلت طموحاتها وآمالها خوفاً من صميل الحوثي الذي أحاط المناسبة من كل الجهات بالقناصة والمسلحين في كافة الحارات والمداخل المؤدية إلى السبعين، ذلك الصميل الذي لم يرق له رؤية ذلك الاحتشاد فأطلق النار في الهواء ومن فوق رؤوس المحتشدين ليفرقهم بقوة نيرانه وينهي جمعهم المغضوب عليه من سيدهم.
إنه صميل الحوثي الذي أصر على أن يجرده ويلّوح به فوق رأس صالح ومناصريه، حزب المؤتمر الشعبي العام، وهي رسالة جدية وخطيرة في نفس الوقت مفادها الإذعان ثم الإذعان ولا شيء غير الإذعان، ولكي تصل هذه الرسالة في أبلغ صورة وأوضح طريقة، قرر الحوثيون على حين غرة ومن دون مقدمات اختتام المناسبة المؤتمرية باستعراض قوي لصميل السيد في ميدان السبعين الذي كان صالح يحسبه ميدانه الخاص، لكن الحوثي بدد هذه الأسطورة باستعراض الصميل في وجه صالح وجماهير حزبه العريض، وذلك من خلال اقتحام الميدان بالأطقم والمدرعات، وهي إهانة لا تساويها إهانة على الإطلاق ورحم الله القائل "الشعبية للزعيم والصميل للسيد".