لم تتوفر الفرص التي توفرت لصالح في التاريخ المعاصر، لقائد يمني آخر، غير أن عهد صالح الطويل انتهى بدمار القيم، وضياع اليمن..
عشية الثورة في 2011، أو الانتفاضة أو الاحتجاجات، أو سمها ما شئت، على حكم صالح، كانت اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط.. ومن غير شك فقد كان ذلك نتاج عهد صالح الطويل الذي تميز بإفقار قيمي وثقافي واقتصادي وفساد شامل.. وتميز العقد الأخير من عهد صالح ، بيأس وقنوط من أي إصلاح في عهده، وعلى يديه، وبرزت الحركة الحوثية، والحراك الانفصالي، وتفاقم إرهاب القاعدة واقتتال القبائل وغياب الأمن والعدل.. وكل تلك الشوهات والمؤشرات والظواهر والمقدمات كانت تؤذن بنتائج خطيرة من نوع ما نحن فيه اليوم..
وفي العقد الأخير من عهد صالح حذرت المنظمات الدولية مراراً وتكراراً، وأكد المتابعون للشأن اليمني، أن اليمن في طريقها لتكون دولة فاشلة، ولم تكن مثل تلك التحذيرات تدور حول أي دولة عربية أخرى، غير اليمن، بما في ذلك الدول التي حدث فيها الربيع العربي..
ومع أن المؤتمر ليس حزباً ثورياً بطبعه، وهو يضم رجال دولة، وموظفين كبار، وقطاعات واسعة من الشعب، فإن كثيرا من رجالات المؤتمر كانوا يدركون المخاطر، ويحذرون من العواقب، لكن صالح كان غير راغب وربما غير قادر على تبني عملية إصلاح حقيقي من الداخل، كما أن المعارضة أثبتت عجزها وقصورها لتكون ناصحا أمينا أو بديلا محتملا لصالح.. وتجسد عجز وقصور المعارضة بعد 2011.. ولكل ما سبق حيثياته وأسبابه التي لا يتسع المجال لتفصيلها هنا..
مع صعوبة نجاح الثورات في اليمن، كانت "ثورة" 2011 محاولة مخلصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وظهرت في بدايتها أقرب إلى مفاجئة مبشرة تأتي من اليمن.. وُمنح ربيع اليمن دون غيره، جائزة نوبل، في شخص شابة ثائرة من اليمن، السيدة توكل كرمان..
غير أن فبراير 2011 كانت مثقلة بإرث ليس بعيداً عما أثقلت به ثورة سبتمبر 1962، وربما أكثر ثقلاً وتعقيدا.. كان التخلف، لا يزال جاثما، والانتهازيون جاهزون.. والتردد والعجز سيد الموقف.. والمتربصون، وأبرزهم الحوثيون متوثبون، ولا تأييد أو إسناد معتبر من الخارج، مثلما حدث مع سبتمبر 1962.
في حين كان عهد صالح أولى بالنهاية، في 2011، غير أن مصير صالح كان أفضل من غيره، في دول الربيع.. لكنه انتهى به الأمر بالالتحاق بالحوثي.. وقد لا يطول الزمن حتى تبدي الأيام لصالح ومؤيديه، أن فبراير 2011,كان أرحم وأكرم ، وأنها آخر محاولة وفرصة لإنقاذ الجميع .. ما أظن صالح اليوم يعتقد بأنه سيكون منقذا للشعب من كارثة الحوثي، كما قد يتوهم البعض، ولو قدر للتاريخ أن يشرف صالح بشيء من ذلك الدور، لتم ذلك والحوثي لا يزال خارج صنعاء، وقبل التحالف معه والخضوع له.. بل لو قدر لصالح إدارة شأن الدولة بمستوى مِن والحزم والعدل والرشد ، لما عرفت اليمن شيئا اسمه الحوثية، ولا الحراك الانفصالي، ولا غير ذلك من المخاطر والظواهر المدمرة..
مثلما حدث أمس، يستطيع صالح التحشيد، لكن لا شيء غير ذلك ولا أكبر من ذلك.. صالح لديه مزايا من غير شك، منها نشاطه وديناميته، لكن ليس من مزاياه، القدرة على تدبير شأن أمة، أو قيادتها إلى بر الأمان، ولم تجسد الأربعة العقود الماضية شيئاً أكثر من هذه الحقيقة المرة ..
قد يضطلع المؤتمر بدور في مستقبل اليمن، ولعله جدير بذلك لأكثر من سبب، غير أن المؤتمر سيكون أفضل بقيادة أخرى غير صالح، وبعيد عن أساليبه ومدرسته..