;
د. عمر عبد العزيز
د. عمر عبد العزيز

صناعة الإرهاب.. بين الأيديولوجيا والاستبداد 988

2017-08-26 04:31:51

يتجول الإرهاب في طول وعرض العالم، وعند كل نائبة إرهابية ينبري الدواعش الطارئون على الجغرافيا والتاريخ للتباهي بأنهم وراء مثل هذه العمليات الجبانة التي تدخل في باب الفوضى الدموية المعطلة لانسياب المصالح الطبيعية بين البشر، وتعميق ثقافة الريبة والكراهية بين المتساكنين المتعايشين المتواشجين في العالم الكبير.
تدخل الآلة الإعلامية المخاتلة على خط التصعيد والتهويل، لتصبح الحوادث المألوفة هنا وهناك تحت طائلة الشك والبحث عن الإرهابي المختفي وراء تلك الحوادث. يدخل في هذا الباب حرائق الغابات في الصيف، واشتعالات التماس الكهربائي، والحوادث الجنائية الفردية، والحوادث المرورية في البر والبحر والجو، وصولا إلى معقول اللامعقول، من خلال الفيروسات المداهمة، والتغيرات المناخية غير المألوفة، والتي تتكفل هوليوود السينمائية بتجييرها على قوى الشر الإرهابية النمطية ذات الملامح الشرق أوسطية، ويتبارى خفافيش الوسائط الرقمية الصفراء في البحث عن انفرادات خبرية في بورصة العرض والطلب، فيتخلون عن أبسط قواعد المهنة، ويتبارون في تعميم الخراب والموت، وكأن العالم خلا من الخير والنماء والتطور.
وما يزيد الطين بلة تنامي التأثير السلبي لإعلام الوسائط الاجتماعية المتحرر من كل مسؤولية، والمؤثر بصورة سيكوباتية على ملايين المنخرطين في ماراثون التفاعل اليومي والمحادثات البيزنطية العقيمة، وتسويق الاستيهامات والأكاذيب، في سابقة لم يشهد لها العالم مثيلاً، حتى أن الدول تعجز تماماً عن ضبط هذا الانفلات المعلوماتي الخطير، بل وتتخلى جبراً عن نواظمها الإعلامية المحكومة بقدر ما من المهنية والمرجعية الأخلاقية والتربوية. في مثل هذه الحالة يصبح الإرهاب ظاهرة مركبة، والفاعلون السيكوباتيون على الأرض لا يمثلون سوى الوجه الأكثر تراجيدية في هذه المعادلة، وهو ما يقتضي تعريف الإرهاب من منظور أشمل، فالتعصب الديني والعرقي ليس سمة خاصة بطرف واحد، والفاعلون الميدانيون على الأرض ليسوا أخطر من مهندسي الإرهاب في غرف الخفافيش المظلمة، ولا المروجون له باسم الأديان والملل والنحل، ممن يقومون بتفريخ المجاميع الشبابية المخطوفة بأوهام الميتافيزيقا الداكنة، وقبل هذا وذاك لا بد من البحث عن سؤال الوجود الحائر المحتار، وما السبب في ما آلت إليه أحوال ملايين الشباب الفاقدين للبوصلة، جراء المظالم العالمية العابرة للقارات. فلم يعد من قبيل الاجتهاد الإشارة إلى المفارقات الحياتية المرعبة في مختلف أرجاء العالم، بل إن أنانية الشمال العالمي الوارث لثقافة الحروب الكونية، ومركزية الاحتكار لأدوات المال والاستثمار والعلم، أصبحت تنعكس على العالم الجنوبي بطريقة تجريفية مرعبة، فيما تنكشف التحالفات المجرمة بين سدنة المال العالمي وأدواتهم التنفيذية من وكلاء أعمالهم المحليين في كامل الجغرافيا الجنوبية العالمية.. ماعدا بعض الاستثناءات النادرة.
الإرهاب مخلوق مشوّه لكل هذه العوامل، وما لم يتفق العقل الجمعي العالمي الرشيد على تشخيص دقيق لهذه الظاهرة ستتفاقم المشكلة، لتؤذن بانهيارات تتجاوز الخيال وتطال الجميع، بمن فيهم الناهبون المتحصنون وراء تأشيرات الدخول وأسوار المنع القاصرة.
لتشخيص الظاهرة لا بد من العودة إلى بداياتها التي انطلقت من شيطنة الخطر السوفييتي في أفغانستان، استتباعا لثقافة الحرب الباردة، وما تلا ذلك من توظيف سياسي مكشوف لمقولات الكلام الدينية المقرونة حصراً بالاجتهاد لا العصمة، ثم تواصلت الظاهرة تفاقماً عندما انقلب السحر على الساحر، فلا سدنة الميكيافيلية السياسية قادرين على ترويض الوحش، ولا رؤوس الحراب الناتئة في تلك التنظيمات قادرة على ترويض مريديها الشباب، وهكذا اختلط حابل الأيديولوجيا بنابل الاستبداد، وها نحن الآن أمام انعطاف أقسى وأمر، فعصابات (الكوكلوس كلان) العرقية الإنجليكانية الدموية تستعيد نشاطها في الولايات المتحدة، وها هي أوروبا العلمانية العتيدة تواجه مدا يمينيا مسيجا بأسوأ تجليات النازية العرقية الجديدة، والاستيهامات الدينية المتعصبة.
هكذا فعلنا بأنفسنا حالما انهار القطب السوفييتي ومن يحالفه، وبدلاً من أن يكون ذلك الانهيار الحر مناسبة لعقد عالمي جديد يتخلى عن توازن الرعب ويعانق مجد العدالة الكونية، مالت الدوائر اليمينية الأمريكية ومن يتحالف معها إلى اعتبار ذلك الانهيار مجرد فرصة سانحة لتعميم النموذج الأكثر وحشية في رأسمالية الألفية الجديدة، وما يتبعها من ظواهر يتربع الإرهاب في مقدمتها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد