تتفاقم جرائم الاغتيالات السياسية واغتيال أصحاب الرأي في اليمن منذ مدة طويلة؛ بينما يراد من استمرار التعامل إزاء جرائم الاغتيالات باللامبالاة والصمت، أن يفضي إلى تأكيد البيئة السياسية والفكرية غير الحرة وغير الآمنة، سواء في المناطق التي تقع الآن تحت سيطرة قوى الإنقلاب، أو المناطق التي تقع تحت سيطرة قوى الشرعية. وإذن؛ ما الغرض ومن المستفيد؟
بلا شك؛ هناك من يريد تغطية فشله وذعره من التغيير بالاغتيالات، وهناك من يريدها تكريسا للانتقامات وللثارات طبعا. غير أن الاغتيالات لا تصنع التغيير المطلوب، ولا تحل الأزمات العميقة. ولعل الأسوأ من تلك الجرائم الجبانة، هو توظيفها لشيطنة كل من ينشدون السلام والدولة الضامنة؛ فضلًا عمّن يأملون بتوقف العنف كأسلوب متبع من قبل مراكز الهيمنة والنفوذ.
تاريخياً ثمة "كيانات استمرت غارقة في مستنقعات الدم، كلما ضاق بها الأمر، واشتد حولها خناق المعارضة والمطالب، تفرُّ إلى الأمام". وكل ما يجري في اليمن اليوم في ظل تدافع الحرب وصعوبة السلام جراء التصلبات التي تلوح في الأفق، سببه الجوهري صراع المصالح الداخلية والإقليمية معا.
أما كل مضطربي الشخصية من صناع القرار، الذين يتسم سلوكهم بعدوانية وسلبية وهمجية؛ فقد فضّلوا الاستخفاف بأخلاقيات الاختلاف السياسي والثقافي، ليكونوا من أبرز الأسباب المشجعة على اتساع ظاهرة الاغتيالات، كما تفيد الوقائع.
يحدث ذلك للأسف - بين كائنات الردة الوطنية وكائنات الوطنية الزائفة - في ظل ركود واقع الاستبداد والفساد والفقر.
لكن الحوثي وصالح يتحملان مسؤولية كل قطرة دم بريئة ومدنية تسيل في المناطق التي يسيطرون عليها؛ مثلما يتحمل تحالف هادي والمقاومة بالمقابل، مسؤولية كل قطرة دم بريئة ومدنية تسيل في المناطق التي يسيطرون عليها.
وللتذكير؛ فإن الاغتيالات كانت قد ازدهرت بشكل ممنهج في المرحلة الانتقالية بعد الوحدة العام 90م، بعد أن كانت حاضرة بقوة قبل الوحدة في الشطرين ضد الخصوم السياسيين والفكريين كما نعرف جميعا.
وبما أن اليمن في مرحلة انتقالية -منذ 2012 -بدا من الطبيعي أن تعود للواجهة مجددا، وأما هدفها فهو التأجيج وخلط الأوراق في المقام الأول. ولذلك شاهدنا كيف احتدمت الاغتيالات عقب انتهاء مؤتمر الحوار، كما بلغت ذروتها ما بعد سقوط صنعاء الكارثي، وتنامي اضمحلال ما كان متبقيا من مظاهر الدولة، لتتوالى حلقات العنف بكل مستوياتها، حتى باتت الحسابات السياسية تختلط بالترهيب والانتهاكات الجسيمة للحقوق، إضافة إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار والانفلات الأمني، بإعادة الشحن الطائفي والمناطقي.
أما في عدن وتعز؛ فبمجرد أن تحررت من قبضة المليشيات، سرعان ما برزت الاغتيالات وعلى نحو مكثف. ولئن تبنت القاعدة عدة عمليات، استمرت الغالبية تُقيَّدُ ضد مجهولين. وبالرغم من مئات الضحايا في عموم البلاد؛ إلا أن القتلة واصلوا هوياتهم الآثمة بمنتهى التأمين والسلاسة.
والملفت أن غالبية الاغتيالات كانت ومازالت تحدث في ظل تحولات هامة بغاية إعاقة هذه التحولات؛ ما يعني تواصل حالات التوتر والكراهية والصدام وعدم الثقة بين الفرقاء، وصولا إلى تعطيل أي توافق لإنضاج حالة إجماع وطنية ممكنة تجاه الدولة والعقد الاجتماعي والشراكة والمسؤوليات.
لكن حسب المأثور البدهي، فإن كل جريمة تقع في مكانٍ ما وزمانٍ ما، غايتها هدفٌ ما؛ ومن الصعب إخفاؤه طويلًا.
والثابت أن ما يجمع كل السلطات المتعاقبة منذ سنواتٍ طوال، وحتى اللحظة في اليمن؛ هو عدم التحقيق الشفاف والجاد لتحديد الجناة وإظهار الحقيقة في غالبية جرائم الاغتيالات الفردية والجماعية.
وبالمحصلة؛ صارت لعبة الاغتيالات القذرة من أهم مظاهر الحروب النفسية؛ بينما تنحصر أسبابها في التطرف والتحريض، وانقلابات الحكم وصراع أجهزة الأمن التابعة لمراكز القوى، وكذا أيادي الاستخبارات الدولية المتغلغلة في الصراع.