قال تعالى: [[وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ]]" عمران - 146-147".
في يوم أحد حُصِرَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قلب المشركين المهاجمين المقاتلين، وليس معه إلا تسعة من أصحابه في ذلك الوقت والحين العصيب، سبعة منهم من الأنصار -رضي الله عنهم- واستبسل رسول الله في الدفاع عن شخصه النبي الرسول وعن رسالة الإسلام الخالدة وعن أصحابه المدافعين عنه وعن حريته وكرامته وإنسانيته.
🔴 واستبسل الأنصار في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتف حول رسول الله في تلك اللحظات العصيبة أبو بكر، وأبو عبيدة، ثم توارد مجموعة من الأبطال المسلمين، حيث بلغوا قرابة الثلاثين يذودون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويحيطونه بسياج بشري فدائي أسطوري، منهم قتادة، وثابت بن الدحداح، وسهل بن حنيف، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام وغيرهم.. واستبسل الصحابة الذين كانوا مع عمر بن الخطاب في رد الهجوم العنيف المباغت الذي قاده خالد بن الوليد على المسلمين يومئذ، وعاد المسلمون بعد تضحية وفداء هؤلاء الصحابة فسيطروا على الموقف من جديد وتمالكوا أنفسهم، وامتلكوا زمام أمرهم، ومعهم الرسول القائد الباذل المضحي الفدائي الذي كان قد أثخنه الجراح ولحقه نزيف الدم.
💥 وكأن تضحية الفداء هنا هي روح قتالية خاصة، هي قوة فائضة قاضية، قوة احتياطية حاسمة، روح نخبوية استثنائية يستخدمها المؤمن المقاتل، المقاوم المجاهد فوق طاقته المعتادة، تظهر في وقت الحاجة وعند اللزوم وعند المهمات، هي شجاعة وإقدام وثبات وفداء في حالة الطوارئ، تحدث بعد أن ظن المجاهد أنه قد انتصر وأخذ يجمع أنفاسه، أو تكون قد لحقته الهزيمة ويفكر بلملمة أوجاعه، ومن ثم الانسحاب، وإذ بالعدو الغادر يكر من جديد ليقتلع القلب والقديد بشراسة وضراوة، وإذا بخيرة المقاتلين المؤمنين ينتفضون من جديد وتسري فيهم روح الفداء من الدرجة الأولى، وهنا في تضحية الفداء تحدث خلاصة المعركة النهائية، فهي قوة الحسم وتسجيل هدف الفوز والانتصار الأخير غير تلك القوة التي ظهرت في تضحياتهم في المعركة إلى ما قبل الذروة.
🔴 أصحاب تضحية الفداء مثلَّهم هنا النخبة من الصحابة الكرام من أهل البيعات وليس البيعة الواحدة، هم القوة الخاصة، الفدائيون العظماء الذين جمعوا بين البذل والتضحية والفداء في سبيل الله في أقوى المواقف الإيمانية الجهادية الفدائية.
🔴 وإن أردتم زيادة فاقرءوا إن شئتم قصة جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو يقاتل الأعداء الكافرين في يوم مؤتة، يبذل روحه، ويضحي بنفسه، ويفدي بهما راية المسلمين حتى تظل مرفوعة خفّاقة، أعضاؤه تتقطع عضوا عضواً دون أن يسمح أو يأذن للراية أن تسقط قبل أن تخرج روحه! فهو يحمل همّ قضية، همّ مبدأ، همّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، همّ الإسلام كله، فهل بعد هذا من بذل وتضحية وفداء؟.
🔴 لا يمكن لأحدنا أن يتصور أو يتخيل أن يكون هناك جهاد في سبيل الله، أو مقاومة للأعداء الكافرين، أو البغاة المعتدين دون تقديم الدماء، دون بذل وتضحية وفداء. ولا يمكن لنا أن ننتصر يوما من الأيام في المعارك المقدسة وفي مواطن الحق المنشود والمعارك المشروعة بعيدا عن ثلاثية البذل والتضحية والفداء في سبيل الله.
🔴 وأشكال البذل والتضحية والفداء كثيرة في التاريخ الإسلامي البعيد والقريب، لكن أعلاها وأرفعها وأغلاها هي بذل الأموال والأنفس في نصرة الدين الحق المبين برغبة قاصدة، ونية مخلصة، وتجرد كامل، وبكفاءة قتالية عالية كلما دعا داعي النفير والجهاد في سبيل الحق المبين لبى الباذلون المضحون الفدائيون النداء، فإما النصر على الأعداء وهم أحياء في دنيا ربهم يرزقون، وإما النصر على الأعداء وهم شهداء عند ربهم يرزقون.
أستاذ مشارك- كلية الآداب- جامعة تعز