📖 قال تعالى : [[ وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين]] " عمران - 146-147".
🔴 شعار المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، الذين يقاومون البغاة الغزاة والطغاة الظالمين في كل عصر وحين، هو البذل والتضحية والفداء، وهي ثلاثية المؤمن المخلص، المسلم الملتزم الصادق، الداعية إلى الله المجاهد في سبيله بكل ما يحمل هذا المصطلح من عموم وشمول يتسع لكل أنواعه في تبليغ الحق على طريق السلم والحرب على السواء، بذل وتضحية وفداء، ثلاثية تصنع الحياة الكريمة، وتصون الدين والوطن، وتحمي العرض والشرف، والكرامة والفضيلة، والأرض والإنسان.
🔴 البذل في سبيل الحق المبين هو دليل الكرم والإنفاق والعطاء والشجاعة في سبيل المبدأ السامي والدعوة إليه وتبليغ رسالته، حبا في إيصاله للآخرين، وحباً في الجهاد في سبيله سبحانه لتحرير الدين والعرض والأرض والإنسان، والتضحية دليل تجريد الإخلاص والتفاني وصدق العمل في الدعوة والجهاد والمقاومة معاً. ويبقى الفداء وهو ذروة سنام الإيجابية والشخصية المسلمة الفاعلة، وهو عملياً أعلى درجات البذل ومسالك التضحية في سبيل الانتصار للحق والفضيلة.
🔵 وفرق بين التضحية بالنفس والنفيس ودفاع الشخص والفرد عن نفسه وذاته ومبدأه وحقه المشروع، وبين تضحية الفداء والذود عن النفس والدفاع عن أنفس الآخرين وحياضهم في ذات المعركة الواحدة وإفداؤهم بالروح والدم وتقديم النفس فدية للحق وحملته
🔵 فالتضحية المجردة من الفداء تكون ببذل المقاتل نفسه وتأدية واجبه في المعركة مع الحرص أن يُقتِّل في الأعداء ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ثم يُقتلُ شهيدا أو ينتصر عليهم، دون النظر إلى من هم معه في صفه من المقاتلين إنما يؤدي دوره وفي حدود شخصه وذاته، فذلك هو جهده ومستواه، بمعنى يقاتل في سبيل الله ويدافع عن دينه وشخصه ويستريح، فلا يبقى في أرض المعركة حتى يتفقد إخوانه وقادته كي يكون آخر من يغادر الساحة وأرض المعركة باطمئنان على الجميع بمسؤولية جماعية فاعلة.
🔵 تلك هي التضحية الشخصية الفردية، بينما تضحية الفداء الأعظم هي مرحلة متقدمة ومتفوقة وسامية، هي الانتقال بالتضحية بعد ذلك الفعل القتالي والبلاء الذي يبذله صاحب التضحية المجردة من الفداء وذلك الأداء المتميز إلى ما هو أميز وأعظم، إلى ما هو أعلى رتبة من هذا، وهي مرحلة الذود بالسيف والسلاح والسنان والجسد فداء وإنقاذا لغيره من المجاهدين المقاتلين والقادة والجنود الذين هم معه في صف المعركة في حين اشتداد بأس العدو عليهم ووصوله إلى القيادات العليا في المعركة بغرض قتلهم أو أسرهم أو النيل منهم بأي صورة من الصور أو في وقت محاولة العدو تسجيل الانتصار النهائي .فقتال تضحية الفداء هنا مضاعف، وجهاده هنا مركب، وهو دليل الثبات الأعظم والخدمة الدينية الكبرى والشجاعة أن لا متناهية.
🔵 فمثلا في يوم أحد وبعد حادثة الرماة وبعد أن بذل جميع الصحابة التضحية كل بقدره، فكانت حادثة الرماة المشؤومة، هناك ابتدأ الهجوم المعاكس من المشركين فباغتوا المسلمين وفاجئوهم من خلفهم بقوة فتّاكة، والهدف الرئيس في هذه المباغتة والمفاجأة كان هو شخص الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهنا يجتمع في شخصية الرسول الكريم البذل والتضحية والفداء والثبات والصمود في أبهى الصور وأنقاها، فلم يتزحزح الرسول الكريم من موقفه ولا من موقعه أبداً، وهو واقع في كماشة الأعداء، والصحابة الفرائد الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين حوله يسقطون شهداء بين يديه واحدا تلو الآخر.
أستاذ مشارك- كلية الآداب- جامعة تعز
يتبع2