قال تعالى:[[ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني مُمدّكم بألف من الملائكة مُردِفِين()وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم]] [[إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ]] " الأنفال: 9، 10، 12"
📖 في هذه الآيات القرآنية دلالات واضحة وصريحة، وظاهرة منها: حتمية بذل الجهد البشري والاستطاعة الإنسانية إلى أقصى إعداد واستعداد وتخطيط وتنفيذ، فإنه يستجلب الإعانة الإلهية الطارئة، والعون الرباني السريع في كل الأمور الدنيوية والأخروية، الدعوية والجهادية والقتالية، وفي مقدمة ذلك الإعداد الشامل للجهاد القتالي والمقاومة المسلحة في مواجهة الأعداء الكافرين، أو الأعداء الغزاة البغاة المعتدين المحاربين للحق وأهله ووطنه، وخوض غمار المعارك بقوة وعزيمة وإصرار تنفيذاً لقوله تعالى: [[وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة]]، ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)).
💥إن جاهزية المجاهدين المقاومين في سبيل الله والحق المبين وهم في أرض المعركة وحين اشتداد البأس بإيمان وإخلاص والتجاء إلى الله تستدعي جاهزية الملائكة في السماء، وعلى قدر الإعداد والاستعداد والقتال والبذل والتضحية والفداء والاستبسال والإخلاص والإلحاح في الغوث والدعاء تكون الاستجابة الإلهية لنداء المجاهدين المقاومين واستغاثتهم في قلب المعركة حتى ولو كانت جاهزية المعركة، مستعجلة وطارئة فيتحقق النصر بإذن الله تعالى في إطار مشيئة الله المطلقة.
📚 كما هو الأمر بالكمال والتمام في واقع غزوة بدر وملابساتها، وظروف الخروج فيها لغير ذات الشوكة فأرادها الله أن تكون لذات الشوكة، فكانت التعبئة الشاملة في أوساط المؤمنين المجاهدين الحاضرين في تلك الساعات، واستكمال أركان الجاهزية القتالية في وقت وجيز لا يتجاوز اليوم والليلة ثم خوض المعركة بروح قتالية عالية ومعهم ملائكة الملك العدل من السماء، وبينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المجاهد القدوة الأمين، محل الاتصال الفوري بين أهل الأرض وأهل السماء، وهو الموجه النبوي والمرشد الأمني الأول والقائد العسكري المفوض من صحابته.الكرام، مبعوث رب العالمين ورسوله.
🔴 فإليك موقفان تاريخيان في الجاهزية القتالية العالية عند المؤمنين المخلصين الصادقين موقف المقداد بن عمرو وسعد بن معاذ في يوم بدر الكبرى مع الرسول القائد الكريم.. عندما قال- صلى الله عليه وسلم- "أشيروا عليَّ أيها الناس" .
🔴 قال المقداد بن عمرو: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ". فسُرَّ رسول الله كثيرًا بكلام المقداد، ومن قبله بكلام أبي بكر وعمر، لكنه ما زال يطلب الاستشارة ويقول: "أشيروا عليَّ أيها الناس".
تنبِّه سعد بن معاذ لما يريده رسول الله، وقد كان حاذقا كيسا فطنا فقام سيد الأنصار، وقال: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال رسول الله : "أجَلْ". قال سعد: "فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ، فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَّا عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّنَا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ".
🔴 ثم قال أيضاً: "لَعَلَّكَ تَخْشَى أَنْ تَكُونَ الأَنْصَارَ تَرَى حَقًّا عَلَيْهَا أَنْ لاَ تَنْصُرَكَ إِلاَّ فِي دِيَارِهِمْ، وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ، فَاظْعَنْ حَيْثُ شِئْتَ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ، وَمَا أَمَرْتَ فِينَا مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنُا تَبَعٌ لِأَمْرِكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ".
🔴 سمع الرسول القائد تصريحات هذين القائدين العظيمين، ولِمَا رأى منهما من ظواهر الجاهزية القتالية العالية وصدقها وواقعيتها فتحرك في منتهى النشاط، وقال للناس في حماسة: "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَوَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ" وهي بشرى نبوية صادقة نتيجة لهذين الم قفين البطوليين، وثمرة ناضجة طيبة للجاهزية القتالية عند هؤلاء الرجال الأصحاب الأفذاذ!
يتبع 2