📖 قال تعالى:[[أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يَعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين]]" عمران: 142.وقال تعالى:[[وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمْرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون]]"السجدة: 24.وقال تعالى:[[ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم]]"محمد:7 " .
📚 ومن ثبات أئمة الإسلام وقادته وهُداته على الحق وفداء المعتقد الصحيح والصبر والتضحية في سبيله هو أداء أمانة الدين والعقيدة والإيمان والثبات على الرأي الصواب والحق السديد والجهر به كي لا يفتن الناس بالمعتقدات الباطلة وآراء أهل الأهواء، صبر وثبات في عالم الدين والسياسة الشرعية، هو ما ثبت عن إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله، ففي محنته المشهورة في عهود ثلاثة خلفاء عباسيين، وهم المأمون، والمعتصم والواثق، وهي محنة القول بخلق القرآن الذي تزعمه المعتزلة الذين أصروا على رأيهم في مجابهة الجمهور من أهل السنة والجماعة قاطبة، فالمعتزلة يقولون : القرآن حادث مخلوق، والإمام أحمد بن حنبل ومعه جمهور المسلمين يقول :القرآن كلام الله غير مخلوق، فكان الثبات والعزم والصبر والإصرار على ما يؤمن به ويدين، حاول معه الخلفاء الثلاثة بكل أساليب الترغيب والترهيب والسجن والتعذيب، تواصوا بإيذائه وتداولوا بتنفيذ أدوار الإنهاك الجسدي والنفسي والعقلي والفكري في مواجهة هذا الإمام الجامع الحافظ لسنة الرسول الكريم كي يقول كما يقولون فأبى وعجزوا.
🔴 فأعلن حاكم الدولة العباسية عن دعوة للشعب وتحشيدهم وعقد بما يشبه المؤتمر الصحفي العالمي للقاء شيخ الثابتين وإمام الأئمة أحمد بن حنبل في هذه المحنة التاريخية العظيمة للمواجهة المباشرة، وأخرجوه تحت الضغط والقهر والإذلال والإحراج وفرض الأمر الواقع، كي يدلي بتصريحه المنتظر للخلق المنتظرين، ليقول كلمة التراجع، ورأي النكوص عن الحق الذي آمن به وبسببه تلقى الأذى والتعذيب، لعله يقع في شبكة الانبهار بقوة الباطل الحاكم وصولته وجولته، ولعله يتلعثم في قوله، أو يضطرب في موقفه، أو يضعف في إيمانه، أو يتزعزع في عقيدته، لعله يتنازل عن الحق الذي اعتصم به، واعتقده عقيدة صحيحة سليمة صريحة، رغبة منه أو رهبة، لعله يفعل ذلك استجابة لجسمه المنهوك، وجلده المجلود، ووجهه المحمرّ الملطوم! فيحقق مراد الظالم المستبد، أو يتبع أهواء أهل الباطل ومجموعات الشيطان الناشزة، لعله يستجيب لنشوة علماء العقل المجرد المنفلت الفارض نفسه بقوة المجادلة وبقوة السلطان، لعله ينصر الرأي المفتوح والعصبية المنفوخة، والشخصانية السلطوية المستبدة، لعله يستجيب للشر ومحوره في غفلة الحكام الظالمين المستبدين؟! لعله يرتعب أو يرتهب من البغاة.
🔵 لكن الإمام أحمد بن حنبل ثبت على موقفه أمام هذا المؤتمر العباسي الخلائفي، نعم " ثبت على موقفه الحق وأصر على رأيه الصريح، ولم يغير من جوابه الذي يردده كلما أفاق من إغماءة التعذيب والتنكيل، فيقول: هو كلام الله غير مخلوق، ولبث في السجن عامين ونصف العام، ولما يئسوا من إخضاعه لما يريدون، أخرجوه من السجن واهي القوة مريضا مثخنا بالندب والآلام، ولقد كان باستطاعة الإمام أحمد أن يتجنب هذا كله لو وافقهم على ما قالوا بلسانه فقط، كما فعل الكثير من العلماء في عصره لينجوا بأنفسهم، ولكن بنظرته الثاقبة وأفقه الواسع وتأييد الله له رأى الناس من حوله ينتظرون إجابته، ففضل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وإن أدى ذلك إلى موته، ولأنه الثابت القدوة والأسوة فقال رحمه الله: "هو كلام الله غير مخلوق "راجع: محنة الإمام أحمد ".
🔵 عندما يكون العالِم العامل المخلص مؤمناً بالله حق الإيمان، يصدق في دعوته حق الصدق، يخلص لله في القول والعمل والنية والقصد والتوجه، يبذل ويضحي ويجاهد ويقاوم الأعداء في مختلف مجالات الحياة، عندما يكون قدوة شاملة مستقيمة، يهتدي بهدى نبيه ورسوله يستن بسنته كما هي بغير تبديل ولا تحريف ولا زيادة ولا نقصان ولا ابتداع ولا تقديم ولا تأخير، يصبر ويحتسب أجره عند الله لا يتبع دعوته الناس إلى الإسلام مناٍّ ولا أذى، يتجرد من الأهواء والأنواء والأضواء والإفناء والأفياء، يفقه واقعه وأولويات يعيش هموم أمته ومجتمعه وإسلامه، هنا فقط يُحبه الله ويدعمه ويعينه ويوفقه ويسدد أقواله وأفعاله، ويثبت إيمانه وقلبه وجسده وأقدامه أمام المخالفين وينصره على أعدائه سواء كانوا من الحكام المستبدين الأعفاط، أو من الأقران الأنداد، أو من التلاميذ الأسباط، أو من الأقرباء الأرحام وذوي العصبة وأتباع الملة والسنة واللسان، بل ويحميه من كيد الكائدين وصيد الصائدين، وتدبير الماكرين، ومؤامرات الخاطئين، فمهما تطور الإيذاء والمؤذاة للحق وأهله، ومهما تغيرت التهم والاتهامات لعلماء الإسلام وعمالقته وأئمته فالحق منتصر والله حافظ والشر منكسر والباطل زاهق حتما.