أبرز سمة من سمات التحضر هي الفصل بين السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، الأمر الذي يجعل الدولة قائمة ومبنية على نظام مؤسسات وليس على نظام أفراد، حتى وإن انهار الفرد لا تنهار معه الدولة و تتعطل المؤسسات.
تجربتنا مثال عن دولة الفرد التي انهارت بانهياره، ولا نريد تكرار التجربة والرهان على الأفراد، لابد من استعادة الدولة ومؤسساتها، دولة المؤسسات التي يكون فيها الفرد موظفاً يخضع للنظام وقانون المؤسسات، في دولة تحكمها وتقودها المؤسسات،وتكون لكل مؤسسة مشاركتها ودورها المكمل لبقية المؤسسات الأخرى في نهضة البلاد والعباد وتقدمهم.. كما تتنوع وتتعدد فيها ـ أي في هذه الدولة ـ قيام النقابات التي تمثل مطالب ومصالح جميع طبقات المجتمع شرعاً وعقلاً، فالدولة كلما كثرت فيها المؤسسات وتنوعت، كلما كانت أكثر تماسكاً وقوة وعطاء، وأكثر تمثيلاً للشعوب ورغباتهم وحاجياتهم ومصالحهم، وأعطت فرصة لكل فرد في المجتمع أن يكون مسئولاً وراعياً يعمل لصالح البلاد والعباد، وأن يكون له دور في قيادة ورعاية المجتمع بحسب موقعه، عملاً بقوله:" كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته" البخاري، كل ما ذكر آنفاً صورة عملية للديمقراطية والشورى، وآلية من آلياتها، لا ينبغي التهاون بها.
ما نحن فيه من أزمات ومعوقات، وكما يسميها البعض عرقلة ومعرقلون، يلهو الكثير في اتهام الآخر، وحقيقتها انهيار واضح للمؤسسات، وعلى رأسها مؤسسات القضاء، لإرساء العدالة، وحفظ الحقوق وضمان عدم التجاوزات ومبدأ الثواب والعقاب، اليوم الوضع بغياب القضاء فالت والأمن منفلت، والنظام والقانون معطل، والضحية مواطن مغلوب على أمره ووطن ينهار، وعصابات ومليشيات هي المستفيدة من وضع كهذا وضع فوضوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
عملية انهيار المؤسسات مستمرة لهدف استمرار الفوضى التي يستفيد منها الفوضويون، ومع الأسف هم اليوم من تذهب لجيوبهم إيرادات الدولة هم الفاسدون، هم المليشيات التي تفرض قانونها الخاص وتنفذ أجنداتها الخاصة وترسخ فكرها الضال لتفرض واقعاً تريده على الآخرين واقعاَ مرفوضاً يقاومه الناس، يخلق انقسامات وتحديات تعيق بناء دولة المؤسسات والنظام والقانون .
فللقضاء دور مهم وكبير في أي بلد يطمح فيه المشرع إلى الاستقرار والعدالة والمواطنة وإحقاق الحق وإنصاف المظلوم، فالسؤال المهم الذي يجب على الجميع الإجابة عليه اليوم من يعطل دور القضاء اليوم ؟، نحن اليوم في أمس الحاجة لقضاء مستقل واعي مدرك لأهمية التحول الجاري، قضاء وطني يوقف كل هذه المهازل والتمادي من إشاعات وترويج ومخاطر الانقسام والصراعات والإمراض الاجتماعية الفتاكة طائفية ومناطقية ويوقف مكينة الكراهية التي تدمر المجتمع وأركان الوطن.
إنها مسئولية حقيقية أمام الله والتاريخ لكل وطني شريف وغيور لإنعاش القضاء لتدور عجلة العدالة لإنصاف المظلومين وإعادة الحقوق لمستحقيها وكشف الحقائق والمغالطات ليعرف الناس من المجرم الحقيقي والمزايد من الصادق والنزيه والوطني الشريف، من أجل قضاء وطني محايد.