📖 قال تعالى: [[من كان يريد الحياة الحياة الدنيا وزينتها نوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسُون () أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون]]" هود: 15-16".
📚 في الآيتين الكريمتين ما يدل على أهمية أن يُحدِّد الإنسان المؤمن بالله عمله من حيث القبول والرد، ويزنه بميزان الإسلام، يُحدّد طبيعته بنوعيّة في البداية والنهاية، في المنطلق والمنغلق، عند النية والإرادة والعزم والقصد، وفي النهاية ومقاصد الغاية الباعثة عليه، فالشخص المسلم هو الذي يختار صلاح العمل أو فساده، طبيعة المهمة ومدى صلاحيتها في الواقع وموافقتها للوجه الشرعي، فإما الركون إلى الدنيا والمكوث فيها ولا يتعداها بتصور أو تخطيط أو استراتيجية عمل كي ينجيه في الحياة الأخرى، وهو الذي يدور مع زينتها ويرتبط بها ويترك الآخرة، وإما يسلك بعمله الطريق المستقيم كي ينجيه في الآخرة ويبني به دنياه وآخرته معا، فصلاح دنيا الشخص المسلم وآخرته بيده هو لا بيد غيره، وخراب دنياه وآخرته يكمن في داخله وقلبه وفي طبيعة قصده وإرادته.
وفي الآيتين دلالة صريحة على أن من يريد الحياة الدنيا ويتوقف عند شهواتها وملذاتها ونزواتها وطيباتها، ويبتغي مرضاتها، وينسلخ بعمله عن الآخرة نية وقولا وفعلاً وقصداً وتوجها، فإن الله لا يحرمه من ذلك بل يوفقه ويوفِّ إليه أعماله ولا ينقصه منه، ولا يبخسهه شيء، بل يأخذ حقه كاملا كما هو مكتوب له ومقرر في الآية [[من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسُون]] فلا خوف ولا تبخيس، يأخذ صاحب النية القاصرة والقصدالقريب حقه بحسب ما خطط له وفي إطار ما هو مقدر له ((نوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسُون)).
◀ وبما أن هذا الصنف من الناس قد ربط حياته ومصيره وغايته ونهايته في كل عمل يعمله بغير المقصد الحقيقي والغاية المنشودة، وصار في كل فعل يصدره عنه يربطه بالدنيا مباشرة دون الآخرة، فإن الله قد حقق له إرادته وقصده ونيته بهذا العمل، ولأنه قد سعى لغير الله، وعمل لغير الله، ونوَى لغير الله، وتعلم وعلم لغير الله، وجاهد الأعداء الكفار لغير الله، وقاوم البغاة الغزاة القتلة المعتدين لغير الله، وأنفق أمواله لغير الله، وكرّس حياته كلها لغير الله، فيكون لا محالة شخص في الظاهر يدعي الإسلام إدعاء ، ويتخذ الإيمان في الأشكال والمظاهر، يكون قد صنع غير الله في نفسه وقلبه، أي صنع الباطل الذي يعمل له أو يوقف عمله عليه في قلبه وفي حياته بفعل قلبه أيضا ويده ولسانه وإرادته، فيوفه الله حسابه، ويكون قد رُزِق وعاش كما يريد ويرغب لكن كما تعيش البهائم أمة الأنعام لا أمة الإنسان العاقل المكرم بلا إردة شرعية، ولا غاية سامية، ولا مقصد شريف، هذا في الدنيا .
◼ وليس لأهل الباطل والباطل وشخوصه من جزاء في الآخره إلا النار، فقد حكم الله ببطلان من سعى هذا السعي، ببطلان سعيه وعمله، بل وأسقطه وأحبطه، الأمر الذي يؤكد أن هذا الفريق من الناس لا تستقيم بهم الحياة، ولا تعمّر بهم معيشة الدنيا، بل إنها تدمّر وتخرّب، وتضطرب فيها الموازين والمعايير في التعامل الإنساني الإنساني، لأن هذا الإنسان هو الذي يصنع نفسه ومجده ويُحدد وجهته الشريرة، ويفسد على الآخرين حياتهم، وكم يا شخصيات من هذا النوع القاصر في الإرادة والمصير أهلكها هذا التوجه الخبيث العابث بخلقه وخالقه! وكم يا مهلكات كان وراءها أصحاب هذا التوجه التائه في إرادته وأهدافه وغاياته الذين أحبط الله أعماله ((أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)) .